محمد الخالدي
تعدُّ السينما واحدة من أقوى وأكثر الأدوات فاعلية في تشكيل الثقافات، وتحقيق التغيرات الاجتماعية. فالأفلام أداة لتحفيز التفكير وخلق الحراك حول القضايا الاجتماعية والثقافية، فمن خلالها تقدم القصص المرتبطة بالحياة اليومية، والمشكلات الحالية، والتحولات الآنية والتوقعات المستقبلية.
في الولايات المتحدة الأميركية، لعبت أفلام هوليوود دورًا كبيرًا في التأثير على الحراك الاجتماعي والثقافي. على سبيل المثال، الأفلام التي تتعامل مع قضايا العنصرية مثل: «1962- To Kill a Mockingbird»، و« Guess Who’s Coming to Dinner- 1967 »، أثرت في تغيير النظرة العامة نحو العنصرية، وساهمت بشكل كبير في دعم الحقوق المدنية للأفرو-أميركيين.
وفي السبعينيات والثمانينيات، أثرت أفلام مثل: «All the President’s Men- 1976»، و«Platoon- 1986»، في تقديم نقاشات عميقة حول السياسة والحروب الخارجية.
أيضًا كان للسينما الهندية أو بوليوود، تأثير عميق على الثقافة الهندية امتد إلى الثقافات المجاورة كالثقافة الباكستانية والبنغالية والنيبالية والأفغانية والسريلانكية والجنوب الآسيوية بشكل عام.
وتتطرق الأفلام الهندية للعديد من القضايا الاجتماعية مثل: الطبقية، والزواج القسري. على سبيل المثال، في فيلم
«Lagaan-2001»، تم تقديم القصة في سياق استعماري، واستخدمت لتقديم نقاش حول العدالة الاجتماعية والتحرر الوطني.
وفي الآونة الأخيرة تناولت أفلام مثل: Dangal -2016»»، و«Pink -2016»، قضايا المرأة والتحديات التي تواجهها في المجتمع الهندي؛ مما ساهم في خلق حراك قوي وفعال.
السينما السعودية هي الأخرى حالها كغيرها من مدارس السينما المختلفة حول العالم، تتطرق للقضايا الاجتماعية والتحولات المعاصرة، كما ظهر في عدة أفلام مثل: «وجدة»، و«بركة يقابل بركة»، و«حد الطار»، و«الهامور ع. ح»، وغيرها.
مع ذلك، تواجه السينما على الصعيد العالمي بشكل عام تحديات كبيرة، حيث يتطلب الأمر التوازن بين الرغبة في التعبير عن قضايا اجتماعية وثقافية معينة، والحاجة للالتزام بالقواعد والتقاليد الثقافية السائدة. ولكن، هناك أيضًا فرص كبيرة وواعدة، إذ إن السينما السعودية تعيش مرحلة نموها، وهذا يوفر فرصًا فريدة من نوعها من خلال تقديم وجهات نظر جديدة تثري الحوار المجتمعي وتسهم في الحراك الثقافي؛ ومن خلال هذا يمكنها أن تساهم في تحقيق تحولات ثقافية كبيرة، جنبًا إلى جنب مع كافة الأشكال الثقافية الأخرى؛ وهو ما يتطلب من صناع الأفلام دراسة متأنية للواقع بتحدياته وتعقيداته من جهة، ومن جهة أخرى إدراك خصوصية كل تجربة وكل مجتمع، والغوص في أعماق القصص المحلية جيدًا، فهناك شيء يستحق أن يروى.