تركي صالح
في السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر الميلادي ظهر نوع جديد من الأفلام يسمى الوثائقي، وبدأ كسرد للأحداث التاريخية والمعاصرة، وهو يختلف عن التسجيلي، فالوثائقي يعتمد التوثيق لذلك هنا من يسميه التوثيقي، والتسجيلي يتبع السرد.
يأتي التعريف الكلاسيكي أو لنقل البدائي للفيلم الوثائقي على أنه «فيلم ﺗﺴﺠﻴﻠﻲ يحتوي ﻋﻠﻰ كم من الحقائق ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺎﺭيخية ﺃﻭ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ، ﺃﻭ الطبيعية، حيث يعرض ﻓﻴﻪ المخرج موضوعه بحيادﻳﺔ ﺗﺎﻣﺔ ﺩﻭﻥ إبداء الرأي، ﻭﺗﺘميز ﺍﻷﻓﻼﻡ الوﺛﺎﺋﻘﻴﺔ عن ﻏﲑﻫﺎ من ﺍﻷﻓﻼﻡ ﺑﺄنها ﻻ ﺗﺼﻨﻊ ﻟﻠترﻓﻴﻪ، ﺑﻞ تعتبر ﰲ كثير من ﺍﻷﺣﻴﺎﻥ ﻣﺎﺩﺓ ﻋﻠﻤﻴﺔ يرﺟﻊ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﰲ بعض الدرﺍﺳﺎﺕ ﻭﺍﻷبحاث».
من هنا ننطلق للحديث عن الأفلام الوثائقية، فهل الأفلام الوثائقية إن كانت العلمية منها تحمل «حقائق» فهل التاريخية والسياسية وحتى الثقافية تعرض حقائق؟ وهل يوجد إنتاج حيادي لا يحمل وجهة نظر؟ أكثر من ذلك، ألم تتخطَ الأفلام الوثائقية مسألة العلمية والمرجعية لتصبح ترفيهية أو تجارية؟ والكثير منها لقي سمعة وشهرة وإقبالاً.
لا يوجد في الكوكب من لم يسمع، إن لم يشاهد، أو يتابع أو يشترك في قنوات قناة ناشيونال جيوغرافيك National Geographic، وهي قناة تتبع منظمة ناشيونال جيوغرافيك، تعرض أفلامًا وبرامج وثائقية عن الطبيعة والعلم والحضارة والتاريخ، وتوجد عدة نسخ من هذه القناة بكل لغات العالم.
بدأ البث في الولايات المتحدة على شبكة قنوات «سي بي إس» منذ عام 1964، لينتقل البث إلى شبكة قنوات «أيه بي سي» في عام 1973، لتتحول حقوق البث إلى شبكة قنوات «بي بي إس» في عام 1975، ثم ينتقل حق البث للمرة الرابعة إلى شبكة قنوات «إن بي سي» في عام 1995، ليعود إلى شبكة قنوات «بي بي إس» في عام 2000.
في يناير 2001، تم إطلاق قناة ناشونال جيوغرافيك، كمشروع مشترك بين شبكات ناشيونال جيوغرافيك وشبكة قنوات فوكس. وقد أنتجت هذه الشبكة أفلامًا في كل فن وكل موضوع من الطبيعة، حتى الطب والسياسة، مرورًا بالشخصيات والأحداث والألغاز والحضارات والأديان والثقافات، وصولاً إلى الأفلام والرياضات والحيوانات والخرافات.
تمتلك المملكة العربية السعودية موقعًا جغرافيًا مميزًا وتاريخًا عظيمًا وإمكانات حضارية هائلة تتنوع بين الفنون والآداب والتقاليد والتراث بكل تشكلاته، وهي بالإضافة إلى ذلك تمر بفترات ازدهار تدعم فيه الدولة كل من يقدم أفكارًا أو ينفذ أعمالاً تدعم موقع المملكة وموقفها، وتساهم في تحقيق أهدافها التنموية وتدفع نحو تطورها. ولا شك أن الإنتاج الفني ضمن خطط التطور، وفي صلب أدوات القوة الناعمة.
إن أهمية الأفلام الوثائقية كنوع من الإنتاج يمكن تسويقه والتعبير من خلاله وإبراز حضارة بلدنا وتنوعها، وتشعب تاريخنا وثقافتنا، ومستوى إبداعنا، وعظم شخصياتنا، وتجذر أفكارنا، وعمق هويتنا، يرفع من الأمر لكونه حاجة ملحة لتقديم قنوات وثائقية منتجة وليست مستهلكة.