غفران قسَّام
«حنا ليا ركبنا عراب الخيل
وتقاحص الفرسان قدام وورا
شهبٍ عليها من ذياب الليل
فرسان خيل ما تباع وتشترى»
يتصاعد المشهد السينمائي بين الأمير تركي بن عبدالعزيز والأمير فيصل في فيلم «وُلدَ ملكًا Born A King» للمخرج أغوستي فيلارونغا، وهما يرتقيان السلالم الطينية نحو مشارف إطلالة القصر على صحراء نجد المضيئة.
واكتسب المشهد هوية الأصالة والقوة مع اعتلاء الصقر ذراع الفارس النبيل الأمير تركي، ومصاحبة الأمير فيصل له وهم يدندنون لحنًا لشِعر والدهما المؤسس – طيب الله ثراه – في عزة وشموخ: «حِنا ليا ركبنا… ». ثم استأنفت المشاهد تصاعديًا أكثر فأكثر عبر توالي الأحداث عن إبراز دور الملك عبدالعزيز – طيب الله ثراه – في توحيده للقبائل عبر مجالسه، وغزوه، وأنشطته، وقوته، وحكمته، وبين محبته لأبنائه الذي كان يرى فيهم مستقبل الوطن السعودي، لا سيما في منحهم الثقة في المشاركة معه في الغزو وفي البعثات الدبلوماسية التي تمثله خارج البلاد كحكاية إسناده للأمير فيصل -رحمه الله – مَهمة دبلوماسية مُهمة إلى إنجلترا رغم صغر سنه – 13 عامًا – عبر بحر العرب عام 1919م.
الدراما التاريخية:
تُروى حكايات الأجداد من مشهد حياة أبنائهم! فانعكاس ما لديهم هو مرآة لحياة آبائهم وقيمهم وتاريخهم من: أصالة، وعزم، وثبات، وتمكين. ويظهر في الفيلم مشاهد سينمائية عن بطولة المؤسس الذي تربى تحت ظلاله الملوك فولدوا ملوكًا.
فالفيلم يحكي حكاية حُلم المملكة العربية السعودية الذي استمر تحقيقه 93 عامًا، وتحتفي ذكراها المملكة تجديدًا للعهد واستمرارًا! ولعل اختيار المُخرج لشخصية الفيصل – رحمه الله – وهو فتى يافع لم يكن اعتباطيًا؛ بل ليقدم سرد الحكاية بأسلوب سينمائي، وفي ذات الوقت لا يخل بحقيقته التاريخية.
فقد كُتب توثيق أحداث الفيلم تحت رعاية مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، بثلاثة جهود مشتركة بين الكاتب السعودي بدر السماري، والكاتب الإسباني ري لوريجا، والكاتب البريطاني هنري فرتز.
فالعمل يعد في كتابته وتمثيله وإنتاجه من الإنتاجات المشتركة «Co-productions» لكنها أسندت دور البطولات لوجوه سعودية أدت أدوارها بالتمثيل الأسلوبي «Technique acting» حاول فيه الممثلون تقليد السلوك الظاهري للشخصيات التاريخية والقراءة عنها – رغم تحديات قلة المصادر الموثوقة – لكن ما عزز أداء الأدوار بأسلوب جمالي منهجي هو وجود الشعور الوطني كرابطة وجدانية بين الممثلين وشخصيات الملوك – رحمهم الله.
فالتمثيل السينمائي للفيلم يجمع بين تقليد السلوك الظاهري للشخصيات التاريخية مع اتباع منهجية صنع روابط في أدوارهم والعناية بالإيماءة والحركة واللباس والركوب والصعود والحركات والنظرات وغيرها، مثل: تجسيد شخصية الملك عبدالعزيز أو الملك فيصل وكيف يظهر في المكانيْن: النجدي في الرياض والإنجليزي في لندن، أو تجسيد شخصية اللورد فيلبي وما يصاحبها من عناية بكل إيماءة أو علامة توظف في العمل؛ لتمثيل طابع الشخصيات وأمزجتها المميزة بحقيقتها دون تزييف.
إذ يعد «وُلدَ ملكًا» عملاً دراميًا تاريخيًا بإنتاج عام 2019، عن فكرة المنتج الإسباني أندريس غوميز – الحاصل على الأوسكار- واعتُمدَ العمل فيه وفق «رؤية 2030» الوطنية.
ويعد العمل مشهدًا تحوليًا في نقل تاريخ المملكة الحبيبة للعالم؛ إيمانًا بتأثير العامل السينمائي في الأجيال، ويعد تقديم المشاهد التاريخية عبر السينما خطوة من الخطوات الوطنية التثقيفية عبر الترفيه التي تسعى من خلالها الرؤية تأصيل الهوية الوطنية وتجديدها في أعمال فنية خالدة سترتقي فنيًا بصناعة السينما. وتشكل مرجعية لمن يرغب أن يفعل دراما تاريخية.
لهذا، أشار الكاتب في أحد لقاءاته الصحفية إلى أن العمل تعريف للأجيال الناشئة بشخصية الملك فيصل الذي أفنى حياته في خدمة وطنه ونهضة بلاده، حسب ما أشار إليه الأمير تركي الفيصل، رئيس مجلس الإدارة والبحوث للدراسات الإسلامية. ويعد الفيلم انطلاقة للأعمال الدرامية التاريخية في عالم الفنون والسينما في المملكة، خصوصًا في ظل الدعم اللامحدود تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان – حفظه الله – وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان – حفظه الله.
*باحثة دكتوراه مهتمة بالدراما والسينما