سلطان فادن
إحدى أيقونات الأفلام الدرامية في القرن العشرين، بل إحدى أيقونات تاريخ السينما عامة، ومن الأفلام التي كان لها أثر قوي، وبدأت سلسلة «Genre» كنوعية أو أسلوب سينمائي مستحدث تبعته أفلام تقلده وعلى نفس النهج ولسنوات أو عقود؛ هو فيلم دراما العصابات «العراب The Godfather» لعام 1972م، عن رواية بنفس الاسم للكاتب ماريو بوزو الذي شارك أيضًا في كتابة السيناريو.
إنتاج هذا الفيلم لم يكن عملاً ومجهودًا سهلاً وميسرًا، بل كان صعبًا وتنطبق عليه مقولة «من رحم المعاناة يولد الأمل، ومن قلب المواساة يولد الإبداع».
من الحقائق عن الفيلم، أن هناك عدة أحداث وأماكن في الفيلم كانت حقيقية وواقعية. فمثلاً، الشخصية الرئيسية في الفيلم الدون «فيتو كورليوني» مستوحاة من شخصية أحد زعماء المافيا الإيطالية في مدينة نيويورك يدعى فرانك كاستيلو. أيضًا حياة ومقتل مدير الكازينو «مو غرين» هو تقليد لشخصية حقيقية تدعى بقزي سيغل. بالإضافة إلى أن المطعم الذي نفذ فيه مايكل كورليوني عملية الاغتيال، هو شبيه بمطعم شهير في نيويورك نفذت فيه المافيا أعمالاً مشابهة.
عملية تهريب رجال المافيا إلى إيطاليا عند تشديد الخناق عليهم هي عمليات معروفة عن المافيا. ومثال أيضًا، شخصية المطرب الصاعد جون فونتين، أغلب الظن تدل على المطرب الشهير فرانك سيناترا. العائلات الخمس المذكورة في الفيلم، إشارة إلى العائلات الخمس المتزعمة المافيا فعلاً، ولكن تم مع تغيير الأسماء.
لكن تضييق الخناق على صناع فيلم «العراب» من قبل رجال المافيا، فهو حقيقي وواقعي. ويختلف هذا المثال الواقعي عن باقي أمثلة الاقتباس الأخرى، فهذه ليست ضمن أحداث الفيلم، بل في عملية إنتاج الفيلم نفسه.
صحيح أن صناعة فيلم «العراب» مرت بمصاعب ومعوقات وتجاوز للميزانية واختيار وتعميد المخرج وتكرار اختيار بعض الممثلين وصعوبة العمل في مواقع التصوير، وغيرها؛ هذه جميعها حدثت في إنتاج الكثير من الأفلام من قبل ومن بعد. لكن الارتباط والتورط مع المافيا هو حدث للفيلم فريد من نوعه. ففترة نهاية الستينيات الميلادية وبداية عقد السبعينيات في القرن العشرين، كانت فترة ذروة وتسيد المافيا الإيطالية في نيويورك. فكيف تتم صناعة فيلم عن المافيا في تلك الفترة، وبشكل مشتق من وقائع وشخصيات حقيقية موجودة في حينها.
التورط مع المافيا في الفيلم وصل إلى حد مكالمات التهديد بالقتل للعاملين بالفيلم. لكن بالرغم من ذلك، تكونت علاقة صداقة قوية لأحد زعماء المافيا «جو كولومبو» مع منتج الفيلم «ألبرت رودي» الذي كان عليه الضغط الأكبر.
أساس الاعتراض والمضايقات كان بسبب توقع المافيا أن يتم إظهار شخصية الأميركي من أصل إيطالي بصورة نمطية وبشكل إجرامي ورجل عصابات. بينما قد يكون السبب الأهم للاعتراض هو عدم رغبة المافيا الإيطالية في تشكيل علاقة مع هوليوود.
بالرغم من كل الضغوطات، فإن صانعي الفيلم انتهجوا نهجًا ذكيًا في المسايسة والتفاهم والحذر الشديد. علاقة التوتر والضغوطات هذه نتج منها عمل صعب التنفيذ، معظم المجهود في الفيلم كان في التحرير والمونتاج بعد التصوير، أكثر منه في الكتابة.
عند عرض الفيلم بعد انتهائه ظهر بشكل درامي بحت ومنصف، ولم تكن هناك مبالغة في إظهار العنف المباشر، بل تم الاعتماد أكثر على أداء الممثلين. رجال المافيا ظهروا بصورة أنهم بشر أيضًا، ويمرون بعقد نفسية وأزمات وخيبات أمل وخسائر وفقدان.
تجربة صناعة الفيلم هذه شجعت على إنتاج مسلسل عام 2022م «في الاحتفال الخمسيني لصدور الفيلم» يحكي هذه التجربة المميزة. المسلسل كوميدي خفيف عنوانه «The offer» بمعنى «العرض»، ولكن ليس بالمعنى المتعلق بالاستعراض، بل هو أقرب لمعنى «المقترح». ففي أحد مشاهد الفيلم، يقول الدون فيتو كورليوني: قدمت له عرض «مقترح» لا يستطيع رفضه.
اسم المسلسل دلالة وإشارة على مفهوم التعامل «الأخذ والعطاء» مع المافيا في مضايقتهم لإنتاج الفيلم.
كلمة:
إحدى المقولات التي جاءت في الفيلم: حافظ على أصدقائك قريبين منك، ولكن أعداءك أقرب!