أمين صالح
دور الممثِّل هو أن يجسِّد شخصيةً ما، سواء أكانت واقعية أم تاريخية أم متخيَّلة. مدى قوة الممثل تكمن في كيفية تمثيله للشخصية، وتوصيلها إلى المتفرج، بصدق وإقناع، سواء أكانت بسيطة أم مركَّبة.
الممثلون، منذ الأزمنة الغابرة، وهم يحاولون حل معضلة كيفية تأدية شخصية وهمية على نحو صادق ومقنع أمام الجمهور. تذكر كتب التاريخ اللاتيني حكاية عجيبة عن ممثِّل إغريقي شهير يُدعى بولوس، وكيفية تقمصه لأحد أدواره: أثناء تأديته لدوره في مسرحية سوفوكليس «إليكترا»، على أحد مسارح أثينا، تُوفي ابنه الذي كان يحبُّه كثيرًا. بعد انغماسه الشديد في الحزن والأسى حتى النفاد، عاد لاستئناف تمثيل دوره، الذي كان يقتضي حمله جرَّة تحوي رماد أوريست. قام الممثل بولوس بأخذ الجرَّة التي تحوي رماد ابنه الحقيقي، واستخدمها في أدائه، معبِّرًا عن حزن وتفجُّع حقيقييْن، وليس مجرد تظاهر أو محاكاة. وبدا أداؤه في غاية الصدق.«المصدر: مقالة شيلا أومالي، مارس 2017».
وهناك حكاية تاريخية أخرى، تعود إلى القرن الثامن عشر، عن ممثلة مشهورة – آنذاك – تُدعى سارة سيدونس، وقد اشتهرت بأدوارها التراجيدية. وعندما كانت تمثِّل في مسرحية «ماكبث»، اعتادت أن تخرج أثناء العرض إلى الزقاق الكائن خلف صالة العرض، وتقطع بفأس الأخشاب الموضوعة هناك لتدخل نفسها في حالة من الاهتياج والسعار التي تحتاجها لتأدية مشهد الليدي ماكبث وهي تسير في نومها.
وهناك أمثلة تاريخية أخرى لا تُحصى لممثلين يلجؤون إلى وسائل وحيل متعددة للدخول في الشخصية وتقمصها وتجسيدها، ولتحقيق ذلك يعتمد بعض الممثلين على الغريزة، والبعض الآخر على الدراسة والتجربة العملية.
ما يتوق إليه الممثل، عمومًا، هو التوصل إلى تقنية معيَّنة تساعده على أن يصبح حيًّا بصدق ضمن ظروف وأوضاع وحالات متخيَّلة.
في الواقع، كل التقنيات مهمة وضرورية. إنها تخلق حالة من التنوُّع والتعدُّد في أساليب وطرائق التمثيل. لهذا نرى العديد من الممثلين الرائعين في مختلف بقاع الأرض، وفي كل زمان ومكان من المحترفين والهواة، من ذوي التجارب العديدة، وأولئك الذين لا يملكون أي خبرة أو تجربة.
التمثيل حقًّا هو عن قدرة الفرد على غمر نفسه في الهُنا، في هذا المكان، وفي اللحظة الراهنة، وفي الحالات المتخيَّلة.
المخرجون المبدعون، في السينما الحديثة، يسعون إلى ابتكار مفهوم جديد للشخصية، يكون أكثر تناغمًا وانسجامًا مع قدرات وإمكانيات السينما الحقيقية؛ مفهوم يضع الشخصية في بيئتها، ولا يقوم بأي محاولة لتزويد هذه الشخصية بتعقيدات زائفة ليس بمقدور الفيلم تعزيزها ودعمها.
يقول برناردو برتولوتشي: «أشعر بافتتان تجاه الشخص الحقيقي الذي يوجد أمام الكاميرا أكثر من افتتاني بالشخصية التي كتبتها في السيناريو. لهذا أنا أغيِّر الشخصية المكتوبة كي تلائم الممثل».