عبدالله الزيد
حينما كتب الأديب الكبير محمد حسنين هيكل روايته الأولى «زينب»، وقعها باسم مستعار «تأليف.. فلاح مصري»، كان ذلك مطلع القرن العشرين، وتحديدًا 1913م، والسبب هو أن كتابة القصص في ذلك الوقت يعد من خوارم المروءة ولا يليق بأبناء الباشوات! باختصار «ما يقيد الوجه»! وعمومًا ليس التمثيل أو الغناء ببعيد عن كتابة «الحواتيت» في تخريم المروءة وتمزيقها، والله المستعان!
بالمناسبة «زينب» التي كانت الرواية المصرية الأولى بحسب المعايير النقدية، أنتجت للسينما مرتين: النسخة الأولى كانت مطلع الثلاثينيات في عرض صامت اختفى تقريبًا من المشهد السينمائي، ثم أعيد إنتاجها سنة 1952م، بفيلم من إخراج «محمد كريم» الذي اشترك مع الممثل عبدالوارث عسر في كتابة السيناريو والحوار، وكان الفيلم من بطولة يحيى شاهين، وفريد شوقي، وسناء جميل، ونخبة آخرين ليس المقام ولا المقال محل ذكرهم، والله يرحم الجميع.
الأديب والفيلسوف الوجودي الفرنسي جان بول سارتر، كتب هو الآخر للشاشة الساحرة عملين، كان أولهما سيناريو فيلم «تمت اللعبة» 1947م، وقد عرض في مهرجان كان السينمائي؛ والثاني سيناريو فيلم «الاشتباك» وعرض في سنة 1949م. وقد سبق سارتر زميليه «جان كوكتو» و«مارسيل بانيول» اللذين نحتا نقشًا في جدار السينما الشعرية الفرنسية والعالمية لا يزال بارزًا حتى يومنا هذا.
كما أنَّ الأديب الراحل نجيب محفوظ، الذي تعلم حرفة كتابة السيناريو على يد المخرج صلاح أبو سيف، أثرى هو الآخر الكتابة السينمائية بأعمال عصية على النسيان، رغم أنه لم يحول أي رواية من رواياته إلى سيناريو… تخيل! بل فضل الحائز على جائزة نوبل للأدب أن يترك هذه المهمة لكتَّاب آخرين، بينما يعمل هو على روايات ونصوص غيره من الأدباء! وهذا لم يكن توجه الأديب إحسان عبدالقدوس، الذي رأى أنَّ «جحا أولى بلحم ثوره» كما يقال! فحوَّل بعض أعماله بنفسه إلى سيناريوهات خالدة.
فيا أيها الأديب السعودي الحبيب، هل تعتقد أن كل هؤلاء الجهابذة من باشوات، وفلاسفة، وأدباء كانوا على باطل وأنت اليوم على حق؟! ما أريد قوله هو أن السينما السعودية تمر اليوم بمرحلة ازدهار ونمو غير مسبوق، وقطارها لن يعبر مرتين كما يقال؛ فالبدار البدار بارك الله فيك.
طبعًا لم ولن أعفي المنتج السعودي من المسؤولية في التأخر باستثمار مثل هذا التراث الروائي الكبير للسعودية، ولذا على المنتجين أن يدركوا أنه ليس كل الأدباء كنجيب محفوظ، أو إحسان عبدالقدوس من ناحية الصبر على «غرابيل» كتابة السيناريو، والمنتظر والمأمول هو تحويل الأعمال الروائية السعودية إلى سيناريوهات، وقد يكون هذا المشروع جزءًا من مبادرات تمكينية وتشجيعية بين المنتجين وهيئة الأفلام والمهرجانات السينمائية!
أظن أنَّني أكثرت من المقترحات والمبادرات المحولة إلى هيئة الأفلام في كل مقالة أكتبها! ويبدو أني سأطلب منهم في المقالة القادمة إيجاد حل سريع وعملي لطبقة الأوزون والثقوب السوداء.. عاد استحملونا فإن «العشم على قدر المحبة» يا هيئة الأفلام.