محمد عبدالله الأنصاري
في عالم لم تزره السينما بعد، تؤثر أبعاد غياب السينما على النسيج الثقافي والاجتماعي بشكل جوهري، والتحول العميق الذي قد تحدثه السينما لا يُقدَّر بثمن. الجانب الفني الفريد الذي تمثله السينما يعتبر الوسيلة الترفيهية التي لعبت دورًا حاسمًا في حياتنا على مر السنوات، وغيابها لن يترك فقط فراغًا كبيرًا، بل فجوة تواصل لا قاع لها، ويصبح العالم رماديًا لا لون له. إن تأكيد تأثير غياب السينما لن يقتصر فقط على الطريقة التي كانت وما زالت تُروى بها القصص منذ نهاية القرن التاسع عشر، فالسينما كانت وسيلة قوية لسرد القصص، وقد أسرت الجماهير بصورها وحوارات شخصياتها وعواطفها. من دون السينما سنلتفت إلى أشكال فنية أخرى مثل الأدب والمسرح لتعويض الفراغ السردي الذي أحدثه غياب الأفلام السينمائية، ويكون بطل القصة، الكتب التي هي بالفعل مصدر منافس لسرد القصص بدلاً من السينما، كذلك التفاصيل المعقدة والحوارات الداخلية الغنية التي يقدمها الأدب ستصبح أكثر تقديرًا من أي وقت مضى. الكتَّاب والممثلون المسرحيون سيتقدمون على خشبة المسارح، حيث ستعود طبيعة الأداء الحي إلى أوج شبابها.
كذلك الصناعة الترفيهية ستجد تحولاً وتركيزًا، وغياب دور السينما سيوجه تفكير وتركيز الجمهور الذي كان من الممكن أن يصبح جمهورًا وفيًا للسينما، إلى أن يذهب نحو أنشطة ترفيهية أخرى، كالعروض الكوميديا المباشرة، والحفلات، والفعاليات الرياضية التي قد تصبح المصدر الرئيسي للترفيه؛ إذ يبحث الجمهور عن تجارب جماعية تؤثر في مشاعره. إضافةً إلى ذلك، فإن غياب السينما من الممكن أن يعجِّل بنمو خدمات البث ومنصات المحتوى عبر الإنترنت. وبذلك سيكون لأنظمة الترفيه المنزلية فرصة للتطور، بعد زوال القلق الذي يحدثه صناع الأفلام حول خوض التجربة السينمائية في السينما بدلاً من مشاهدة الأعمال السينمائية على منصات العرض الرقمية.
لقد ساهمت السينما بشكل كبير في تشكيل ثقافتنا والأعراف الاجتماعية، من دونها لن تتغير فقط تجاربنا الاجتماعية، بل أيضًا الطريقة التي نتفاعل بها مع الأفكار والثقافات الأخرى. كذلك جانب الأزياء والاتجاهات الفنية في الموضة المستوحاة من الأفلام سوف تصبح اتجاهات من فنون أخرى، ومشاعر الانتماء تجاه ما نجده من تفاصيل الأفلام والشخصيات المفضلة في طي النسيان. السينما كانت وسيلة للتعبير عن الثقافة والتعليق على القضايا الاجتماعية، وهي من أبرز المشكلات الاجتماعية، وأثارت حوارات جدلية ورومانسية، وشجَّعت على التعاطف. غياب السينما قد ينقل هذه المسؤولية إلى وسائل فنية أخرى مثل الأدب والموسيقى، أو حتى تحت رحمة وسائل التواصل الاجتماعي الآن.
مع ذلك، في هذا الصمت الذي يملأ الشاشات من دون الأعمال السينمائية قد يُبعث شيء جميل، يعيد إشعال ما أخمده الزمن.. خيالنا، من دون الصور الزاهية للأفلام والأبعاد الفنية والقصصية في عوالمه، قد نجد أنفسنا أكثر اشتغالاً وابتكارًا. غياب السينما يمكن أن يحفز قدرتنا الإبداعية. وعالمنا الافتراضي بدون السينما سيكون عالمًا من التحديات والفرص، بينما سيعيد غياب السينما الحراك الفني لدينا والحافز لتجارب الثقافية، والتركيز أيضًا على اكتشاف مرة أخرى قوة الخيال وجاذبية السرد بأشكاله المتعددة. في هذا العالم أيضًا قد يعطي صمت الشاشات مكانًا لسيمفونية الروايات. وأخيرًا، إن تصورنا للعالم بدون إشراقة شمس السينما قد يذكرنا إلى أي حدٍّ نحن متعلقون بهذا الفن، ومدى تأثيره على أسلوب حياتنا الآن.