غفران قسَّام
نكتب السينما بالمحلية!
قدَّم النقد السينمائي وجهات نظر نوعية عن الأعمال السينمائية في السعودية، منها ما رآه حمادي كيروم، وهو ناقد مغربي، أن: «الأعمال العظيمة تعلمنا وتُلهمنا من خلال مشاهدتها، والتفاعل معها حسيًا وجماليًا ووجدانيًا». وعن تلك العملية الإبداعية في التلقي، يشرح غاستون باشلار، فيلسوف فرنسي، أن السر في التقاء المبدع مع المتلقي، هو في شعور الجمهور بحرارة المكان «الأليف» ودفئه داخل المُبدِع، فتنتقل أُلفته النفسية في قناة شعورية تلقائياً إلى الجمهور؛ ليحصل التأثر والتأثير، بل يتكون عبرها لذة التلقي. ثم تستمر دائرية تلك الرسائل الشعورية بين المبدع والمتلقي تحت تأثير جاذبية قيم المكان الأليف بينهما. لكن تلك الفكرة اللطيفة عن المكان الأليف لم تكن ملموسة في مكان الحفرة السري لنشاط المصارعة الحرة في فيلم «سطار» للمخرج عبدالله العراك. ومع ذلك أحرز نجاحًا جماهيريًا، وصدارة غير مسبوقة في مشاهدته في المنصات الرقمية وعروض السينما! والسبب، أن الفيلم قد اعتنى مباشرة في رسالته بشريحة الشباب الذين تفوق نسبتهم نصف سكان المملكة. وتعدُّ – تسويقيًا – خطوة تحديد الفئة المستهدفة، من الخطوات الإجرائية التي تساهم في رفع أسهم الحملات التسويقية للمنتجات، وبالتالي تحقيق معدل مبيعاتها. أمَّا السبب الآخر، فهو أن نوع الفيلم جماهيري شعبي يقدم أحداثًا كوميدية حركية ذات تشويق وإثارة. ولعلَّ السبب الأخير هو ما جمع الجمهور حوله: الكوميديا بوصفه فنًا يحاكي تحديات الحياة اليومية وهمومها بعرض درامي تشويقي يثير الضحك، مع طرح الحلول بحسب وجهة نظر الإخراج. لهذا، ساهم الفيلم في صعود نجومية الأفلام السعودية إلى العالمية؛ إذ يظهر أن العمل اجتمع لإخراجه مهارات سعودية وعربية عالية المستوى أدت معًا إلى رؤية وطنية واحدة، بدءًا من الكتابة النصية وإعداد السيناريو، مرورًا بأداء الممثلين، ووصولًا إلى إخراجه وإنتاجه في تنفيذ إبداعي يعكس مدى انسجام الجميع في أداء العمل بمستوى فني متكامل قدَّم «سطار” كعمل سينمائي متفرد.
ويمكن القول إن الأداء الفيلمي وكتابته سينمائيًا ساهما في تشكيل خطاب الصعود النجومي للفيلم؛ إذ يلاحظ أن الإخراج قدَّم مهام إبداعية بالكاميرا المايكرو، فكتب الأسلوب الفيلمي بعروض سمعية تفعل الموسيقى التصويرية كنص يوازي المشهد البصري ثيميا من خلال اللقطات، وحركة الكاميرا، وزاوية الالتقاط، والأصوات مدة اللقطات؛ ثم مونتاجها بشكل تأثيري رغم الجغرافية المركبة لمكان الحفرة ونوعية طبيعة الشريحة في الفيلم. إذ تحدث عن فئة شعبية من الشباب في المجتمع السعودي، وشرح همومهم وتحديات نجاحاتهم وإخفاقاتهم: المهنية، والعاطفية، والاجتماعية، والمادية في التفافة سينمائية مشهدية ومؤثرة سيناريوهاتيًا. كما يبدو السيناريو في حواراته بلغة محكية كوميدية متداولة بين شريحة الشباب. مع تفعيل الشيلات بأسلوبها الإيقاعي المحلي الحركي السريع ضمن استعراضات غنائية تشويقية في حلبة المصارعة الحرة. أما الأحداث، فتعكس حياة الشاب: سعد من الطبقة المتوسطة يسعى لتنمية مهاراته وقدراته في الشركة التي يعمل بها؛ لتحقيق المبيعات المطلوبة – «التارجت)، إلا أن فشله وضعه أمام عدم الحصول على علاوة هذا العام (البونس)، واستمر الإخفاق المادي يرافق البطل مرارًا، وتسلسل بعدها إخفاقات متنوعة: عاطفيًا مع خطيبته «فلوة)، واجتماعيًا، ومهنيًا؛ مما حرض البطل أن يفكر في هوايته الطفولية في لعبة المصارعة الحرة، لينال بها أجرًا مرتفعًا ينقذه من الفقر، ويلبي احتياجه لإتمام متطلبات الزواج من الخطيبة المحبوبة.
«سطار» رحلة عائلية كوميدية مليئة بالمغامرة والمخاطرة، لا سيما أنها مع المصارعة الحرة، في مقر الحفرة الذي لم يكن بعيدًا عن أعين الفرق الأمنية بسرية تامة، إلى أن انتهت مهمتهم الوطنية بنجاح في آخر الفيلم، بفضل لكمة المخمس الأسطورية من البطل سطار لرئيس الحفرة.
وعودة إلى «المكان الأليف» عند باشلار في العمل الإبداعي، والذي يمكن مكاشفته في فيلم «سطار» من خلال ما عبر عنه كاتب السيناريو والمنتج إبراهيم الخير الله – وفق ما ورد في صحيفة الشرق الأوسط – بقوله: «أثق أن الفيلم الذي صنعناه بعقول وقلوب سعودية سينال إعجاب الجمهور والمشاهد السعودي والعربي…». فالهُوية المحلية الجماهيرية هي التي صنعت منطقة الأُلفة وفتحت باب القبول الجماهيري في قلوب المشاهدين محليًا وعربيًا، ومضت بها إلى العالمية في أكثر من 100 دولة حول العالم.
* باحثة دكتوراه مهتمة بالدراما والسينما