طارق البحار
في سلسلة من الأفلام الناجحة في السينما السعودية، شاهدت، مؤخرًا، فيلم «راس براس» على منصة نتفليكس، بعد تصدره قوائم الأفلام الأكثر مشاهدة في المنطقة، وسجل نجاحًا عند العديد من النقاد العرب والأجانب.
يعتبر قصة الفيلم الكوميدي والإثارة الجديد Head To Head أو «راس براس» أكثر بساطة بمئة مرة من كل أفلام المنصة. لكن مع ذلك، فإنك ستستمتع حتمًا به تمامًا ويدخل القلب بصورة عفوية وبسيطة جدًا، وكما يفترض أن يكون، خصوصًا إذا عرفت أن وراءه مبدعو السلسلة الفكاهية «مسامير».
سيجعل فيلم «راس براس» المخرجين والممثلين والنقاد في كل مكان يشعرون بالفخر الشديد. لقد كنت دائمًا مؤمنًا بالحرفة عندما يتعلق الأمر بالأفلام، ولا سيَّما عندما نعرف كيف نخبر الجمهور القصة ببساطة.
فيلم سعودي مبدع ومليء بالضحك مع سائق شركة سيارات خاصة، يلتقط بالخطأ الراكب الخطأ بدلاً من والد صاحب الشركة التي يعمل بها. وفي نفس الشركة، يقوم المالك غير المنتظم فجأة بتعيين شخص بقسم الصيانة غير منتظم كرئيس تنفيذي، ويصادف أن الراكب الذي تم اختياره بشكل خاطئ هو زعيم عصابة سيئ السمعة من الأيام الخوالي، وأب رأس عظمي خطر بنفس القدر، والذي يطلق عليه اسم حركي مثل «جاك أوف دايموند»، وبصفته الرئيس التنفيذي المعين حديثًا، تبين أن أول عمل لعمال الصيانة هو إصلاح هذه الفوضى برمتها.
من الواضح أن هذا سيتبع سلسلة من الحوادث المؤسفة والمجنونة، التي يجب أن تكون مألوفة لك إذا كنت من متابعي نوع السينما الكوميدية، التي تم تقديمها في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين؛ إذ يتعمد المخرج على خلق مواقف فوضوية بمساعدة مجموعة من الشخصيات الهزلية، ليجمعهم كلهم معًا في نفس المكان للحصول على أحداث مضحكة بشكل خفيف.
فيلم «راس براس» لا يكتفي باختيار أسلوب معين وبناء فيلم كامل عليه، بل يأخذ الإلهام من العديد من الأماكن بدلاً من ذلك. وشخصيًا لم أتخيل قط أن يكون هناك فيلم سعودي يقتبس شكلاً من أشكال أحداث السباغيتي الغربية في «حي بذيخة».
الفيلم يبدو سهلاً للغاية ويمتزج مع السرد بشكل جيد، منذ البداية حتى الذروة. تم تصميم جزء كبير من الفيلم بطريقة تجعلك تشعر وكأنك تعيش تجربة غربية حقيقية. ومع ذلك، على الرغم من التكيف مع النمط الغربي، فإن لعبة «راس براس» تجعل الشخصية الغبية محببة، حتى الأشرار ليسوا أشرارًا تمامًا هنا.
تحاول شخصية ثانوية تفجير شخصيتين أخريين عن طريق ربطهما بالمتفجرات، لكن بعد دقيقة واحدة، تخلى عن هذه الفكرة بفضل خضوعه للشخصية الأنثوية الوحيدة في الفيلم، وبعد لحظات قليلة تجتمع كل هذه الشخصيات معًا وتذهب إلى مقر الشرير من أجل إنقاذ الشخصيات الأخرى.
عند الحديث عن الشخصيات النسائية، اعتقدت لفترة طويلة أن الفيلم اتخذ خيارًا نمطيًا بتهميشها لسبب ما. وعلى أية حال كان هناك شخص واحد فقط اقتصرت مساهمته على كونه أحد الاهتمامات الرومانسية للشخصيات الرئيسة. ولكن بعد ذلك، قرر الفيلم تغيير الفكرة من خلال جعل الشخصية الأنثوية الوحيدة هي الأكثر أهمية؛ مجرد صديقة البطل تتحول إلى امرأة قوية، وتقرر بشكل أساس مصير الجميع.
بطل الفيلم الفعلي هو السائق، خاصةً عندما يتحول في العمل من كونه رجلاً محبطًا في العمل إلى منقذ يحمل سلاحًا، ويقطع الرجل الذي يبدو غير ضار شوطًا طويلاً.
بالعودة إلى الأساليب المتعددة للفيلم، وهي بالفعل الموضوع الرئيسي لهذا الفيلم، جنبًا إلى جنب مع النغمة الغربية والأسلوب الكوميدي الخفيف، فإنها تخلق حياة سعودية مفعمة بالحيوية والخيال تمثل تجربة مميزة تجمع بين الحياة اليومية والحس الفكاهي الكوميدي؛ ما يجعل الفيلم مشوقًا وممتعًا للمشاهدين. ويتفوق فيلم «راس براس» في شيء وحيد يجب على أي فيلم كوميدي أن يفعله بشكل جيد، وهو الكيمياء الرائعة بين الأبطال.
التصوير السينمائي لفيلم Head To Head يستعير بشكل كبير من أعمال المصور السينمائي الأسطوري «كريستوفر دويل»، خصوصًا في أفلام Wong Kar-Wai، ويتم وضع كل هذه العناصر السينمائية المختلفة جدًا في الخلاط، ونحصل على شيء أصلي رائع جدير بالمشاهدة، يتم دعمها بسهولة من خلال الموسيقى التصويرية المتلألئة، وتتكشف مثل رواية مصورة رائعة للغاية مع تصويره لـ«حي بذيخة» سيئة السمعة مثل مدينة جوثام في الصحراء.
إذا فكرنا في الأجندة الأساسية للسينما بالمعنى العام، فلا بدَّ أن يكون ذلك هو سبب تقديم الفيلم، وترفيه الجمهور، خاصة وهو يجتاز وجهًا لوجه هذا الاختبار بنجاح. في نظري الفيلم ليس للمهرجانات السينمائية، أو التي يناقشها الأشخاص الذين يزعمون أنهم عشاق السينما.
إنه نوع قدَّمه لنا مالك نجر بلمسة بصرية جذابة في أول أعماله الحية. وبدمجه مع الذوق البصري، فإنه يصنع كوميديا سوداء لا تُنسى. ومؤلف العمل، الذي كتب لنا نصًا خفيفًا بكوميديا موقف بصورة مضحكة جدًا. ويجب تشغيل الفيلم خلال ليالي مشاهدة الأفلام مع الأصدقاء؛ إذ سيستمتعون بقليل الفكاهة مع الفشار والناتشوز وما إلى ذلك، خصوصًا إذا عرفنا أنه يقدم رسالة إيجابية عن الصداقة والتماسك لمواجهة التحديات والمشكلات.
فيلم يستحق المشاهدة، وهو يعمل على مختلف المستويات الفنية، خصوصًا أن السينما السعودية هي مشروع جديد نسبيًا، فقد تم تصوير الفيلم الأول في المملكة عام 2012، وقد يعكس هذا موضوعات الفيلم، ويتعامل مع الأمور بلا مبالاة مستخدمًا الكوميديا.. لتبسيطها.