عبدالله الزيد
إنَّ انكار الجهود المهمة التي نراها من مختلف المؤسسات المعنية بقطاع السينما في السعودية -وعلى رأسهم هيئة الأفلام في وزارة الثقافة – يمثل برأيي جحودا وتنكرا لمنجزات تثبتها الوقائع، ومع ذلك فإن مثل هذا العمل الذي يستحق الثناء والشكر؛ يحفزنا أيضا للمساهمة في تنمية تشاركية عبر فتح النقاش وطرح الآراء في هموم الإنتاج والعمل السينمائي السعودي. وليسمح لي الزملاء في الهيئة أن اطرح المشكلة على هيئة حالة حتى نمسك بناصية الحديث ويتضح المقصود.
إن أسلوب الإنتاج السينمائي اليوم في السعودية يتم عبر رصد ميزانيات دعم من مجموعة من الهيئات الحكومية أو شبه الحكومية أو حتى تجارية، وهذا شيء رائع لا غبار عليه. ولكن المشكلة في هذا ا لأسلوب في التمويل أنه قائم على القطعة. ونظام القطاعي هذا يخدم المنتج في المقام الأول، ولكنه -برأيي – لا يخلق الاستدامة ولا يحفز الكوادر الفنية السعودية على التعامل مع السينما على أنه حرفة! لأن الصناعة هي قضية أخرى تتشكل خارج دائرة السينما. وهي قضية ثقافية، واقتصادية، وتنظيمية وليست فنية وحسب!
وللتوضيح، دعوني انطلق من عنوان المقالة حول شروط الإنتاج. وهو مصطلح ماركسي – والعياذ بالله – ولكني استعيره هنا من المفكر الفرنسي لويسر التوسير، والذي استعمل المصطلح ليشير إلى العوامل الاجتماعية، والسياسية، والثقافية، والتي تتحكم بالتنمية والإنتاج في أي قطاع من قطاعات الدولة وليس السينما فقط. وشروط الإنتاج تعني أنَّ أي شيء نريد انتاجه لابد أن ننظر فيه للشروط التي تتحكم في انتاجه واستدامته، مثل الموارد، والأيدي العاملة، ثم السياق الثقافي والاقتصادي الذي يكمل دائرة الإنتاج ويغلقها حتى تستمر في الدوران ذاتيا.
ومن هنا فإن الممثل، والمخرج، والفني، وموظف الإنتاج البسيط، كلهم يمثلون شرطا من شروط التطور والاستدامة في الإنتاج السينمائي، وهذه حقيقة بديهية لا تحتاج لمقالة لمعرفتها، ولكن ما اقصده هو أنَّ مجرد التواجد القائم على القطعة كممثل او كمخرج لا يكفي، وعلى سبيل المثال فإن عمل المخرج السعودي، أو الممثل، أو حتى فني الإضاءة – كعامل غير متفرغ – في فيلم يستمر تصويره لمدة شهرين أو أكثر؛ يعد بالنسبة له مخاطرة مهنية واجتماعية واقتصادية غير مسحوبة. ولذا الوضع الحالي للعمل في السينما يساعد على تراكم من هم بلا عمل أصلاً، أو من يخاطرون على ترك أعمالهم! وهذا الفرز المهني خطير على مستوى الجودة الفنية والاستدامة الإنتاجية.
إن القصة في تنمية القطاع السينمائي وتطويره ليست محصورة في توفير الدعم واستمرار تمويل الانتاج فقط؛ بل في التنظيمات التي تساعد الكوادر العاملة فيه على ضمان حياة كريمة من ناحية التقاعد، والتأمين الطبي، وتنظيف الساحة المهنية من الدخلاء على الفنانين والمتطفلين على مهنتهم ومصدر رزقهم. ومثل هذه الخدمات التي جرت العادة على تقديمها عبر (النقابات الفنية) في البلدان الأخرى كمؤسسات أهلية، تعد لدينا في السعودية من متطلبات القطاع الحكومي. لماذا؟ لأن الثقافة جزء من شروط الإنتاج يا سادة. وفي ثقافتنا يعد تدخل الدولة في التنمية أمر مفيد وعملي والشواهد كثيرة في دعم التنمية الصناعية والتعليمية والرياضية الخ … وحتى يأتي الوقت المناسب لتغيير هذه الثقافة وتفعيل مساهمة القطاع الثالث – وهو ما يحتاج إلى الجهد والوقت – أرى أن علينا وضع هذا الشرط المؤثر والحساس في الحسبان. خصوصا أن القطاع الثالث (الأهلي) هو نفسه قائم اليوم على الدعم الحكومي لكي يقف على قدميه ويتولى مهامه المنوطة به.
اختم حديثي على هيئة مقترحين أقدمهما للسادة المعنيين في هيئة الأفلام للتفكير فيهما ومناقشتهما: الأول هو المساهمة في تأسيس جمعية شبه حكومية خاصة بالمهن الفنية لتنظيم بيئة العمل السنيمائي من ناحية التقاعد، والتعطل المؤقت عن العمل، والتأمين الطبي وغيره من التسهيلات. ثانيا تأسيس استديو مملوك للدولة ولو بشكل جزئي يوفر وظائف بالمرتب للمهن المساعدة مثل الفنيين والمصورين والكتاب ويقوم على معايير حوكمة وتقييم ذات جودة عالية. طبعا لا يمنع أن يكون هذا الاستديو الضخم قطاعا شبه حكومي على شكل هيئة أو حتى شركة مملوكة لصندوق الدولة. الهدف من ذلك هو خلق إمكانيات كبيرة لاستدامة العمل الفني وبيئة محفزة تجعل من العمل في السينما ميزة تنافسية مع أعرق الوظائف المطروحة في السوق.