د. عبدالرحمن الغنام
في زيارتي الأخيرة لصالات السينما لمشاهدة فيلم «Meg 2: The Trench» «ميغ 2: ذا ترينش»، لفت انتباهي الظهور المتزايد والإيجابي للشخصيات الآسيوية في أفلام هوليوود، وبالتحديد الشخصية واللغة الصينية. الاتجاه لم يكن محض صدفة، أو تجربة منفردة؛ بل هي نتيجة تراكمية من التقارب والاندماج بين كبرى استوديوهات الأفلام وشركات السينما في أميركا والصين، الأمر الذي يجعلني أتساءل عن مستقبل صناعة الأفلام السعودية، وكيف يمكن أن تساهم في ترويج الهوية السعودية بشكلها الإيجابي في الأفلام العالمية؟
الفيلم «ميغ 2: ذا ترينش» هو إنتاج مشترك بين «وارنر بروس» الأميركية و «جرافيتي بيكتشرز» الصينية، ومن إخراج «بن ويتلي» البريطاني. وتم تصوير الفيلم في استوديوهات لندن، وفي جزيرة هاينان الصينية. وهو من بطولة الإنجليزي جيسون ستاثام، وممثلين صينيين من بينهم «تشانغ جيومينغ» الذي قام بدور الباحث وابنة أخته الذكية ولكن غير المطيعة «تساي شويا». الفيلم وبحكم جنسيات شخصياته يستخدم الإنجليزية كلغة رئيسية، ولكنه يتنقل بسلاسة بين اللغة الماندرين الصينية والإنجليزية، كلما كان ذلك مناسبًا وبدون تأثير على سياق الفيلم. وكذلك احترام العناصر الصينية والفروق الثقافية لتطور الشخصيات، مثل خصوصية القطع الأثرية لتشانغ وتعامل الرجل الصيني مع وفاة والده.
هذا الاتجاه نحو زيادة تمثيل الصينيين ليس مقتصرًا على «ميغ 2»، بل أصبح ظاهرة شائعة في إنتاجات هوليوود؛ مما يعكس الاعتراف المتزايد بالتنوع والرغبة من هوليوود لجذب جمهور عالمي أكبر مثل السوق الصيني. عدة أفلام هوليوودية قدمت بشكل بارز الهوية الصينية وراعتها في إنتاجها للأفلام. على سبيل المثال، سلسلة «Kung Fu Panda» «كونغ فو باندا»، على الرغم من أنها رسوم متحركة، فهي متجذرة بعمق في الثقافة والجماليات الصينية. ومثله فيلم «The Great Wall» «السور العظيم»، أكبر إنتاج مشترك بين الولايات المتحدة والصين، والذي يستعرض بشكل كبير السور العظيم والمناظر الطبيعية الصينية الأخرى. هذه الأفلام وغيرها تمثل دور الإنتاج المشترك في توسيع الاهتمام المتزايد ومراعاة هوليوود للثقافات الشرقية بشكل عام.
بنظرة سريعة، هناك تاريخ جيد من التعاون بين استوديوهات الأفلام، والمستقلين، وعدد من الكيانات المالية الأميركية والصينية خلال العقدين الماضيين. لكن، كان معظم النقاد يشيرون إلى أن المشاريع المشتركة تتأثر بشكل كبير بالأوضاع السياسية والثقافية، وبذلك تؤثر وتضعف الفوائد والعوائد المالية المتوقعة من شباك التذاكر الأميركي أو الصيني. ولكن، في واقع الأمر، فيلم «ميغ2 » ليس مجرد فيلم إنتاج مشترك أميركي – صيني، تحصل من خلاله استوديو «وارنر بروس» على حوافز نقدية للتصوير في الصين؛ بل هي علامة تجارية مملوكة بالكامل. ويسيطر الاستوديو الصيني «جرافيتي بيكتشرز» على جميع حقوق الملكية الفكرية والامتيازات للفيلم «ميغ».
أنا متفائل بأن مستقبل صناعة السينما السعودية يعد بتقديم فرص إنتاج دولية مشتركة؛ لإبراز الثقافة السعودية، وتعزيز الوعي حولها على الصعيد الدولي، من خلال الأفلام والأعمال الدرامية. ولكن، الاهتمام في صناعة السينما السعودية يجب أن يكون قائمًا على فكرة الاستثمار في الأفلام الضخمة، وتعزيز ثقافة استوديوهات الأفلام المحلية، وتمكينها من المشاركة في مشاريع الإنتاج الدولية المشتركة؛ ليس من خلال طاقم التصوير فقط، بل حتى في عمليات الكتابة والتطوير والتمثيل والحصول على امتيازات الأفلام، التي من شأنها أن تنتج أفلامًا نابضة بالحياة وناجحة ليس فقط اقتصاديًا، بل في تعزيز السرد الثقافي عن الهوية والقيم السعودية.
فكل ما يهم بالنهاية في صالات السينما هي القصة، وكيف تصل للجمهور، وبأي لغة سرد تتشكل.