مشاعل عبدالله
قد تبدو استعارة اسم فيلم ميريل ستريب وستيف مارتن «إنه لأمر معقد»، أبلغ وصف عن علاقة باربي «الدمية» والفيلم بالنسوية وقيمها. رافق إطلاق فيلم «باربي» في دور العرض السينمائية حول العالم، ضجة كبيرة، ومُنع من العرض في بلدان معينة تحت حجة انتصار الفيلم لقيم النسوية والمثلية، وأن الفيلم أداة لتنفيذ أجندة هدم قيم العائلة. لكن، هل قدَّمت المخرجة جريتا جيرويج، «باربي» بشكل ينتقد المفاهيم الذكورية بالمجتمع! تقدِّم افتتاحية الفيلم تلميحًا عن تفرد «باربي» عن بقية الدمى، فالطفلة قبل «باربي» تستلهم من دميتها مشاعر الأمومة. أمَّا ما بعد «باربي»، فالطفلة تستلهم معايير الجمال والنجاح. فالجمال هو الشعر الأشقر والقوام النحيل الممشوق.
تعيش باربي في أرض «باربي» الوردية.. يوتوبيا، حيث يبدو العالم جميلاً وورديًا ومكتملاً! يبدأ عالم «باربي» بالانهيار حينما تعاني من أزمة وجودية تتمثل في تفكيرها بالموت، وظهور علامات التمدد على جسدها! هذا القلق الوجودي كان من الممكن معالجته بشكل أكثر عمقًا، خصوصًا أن الموت هو الحدث الذي يقرِّبنا من ذواتنا أكثر، وهو الحدث الذي يحقق المساواة بشكل عادل بين الجنسين؛ فحينما يحضر الموت تغيب الهوية الجندرية ليبقى الإنسان! لكن الفيلم يختار أن هذا القلق سينتهي حالما تغادر «باربي» أرضها الحالمة للعالم الحقيقي، وتحاول معالجة سبب معاناتها من هذه الهواجس «التي تتضح لاحقًا أنها مرتبطة بمعاناة أم تعمل في شركة ماتيل المصنعة لباربي وعلاقتها بابنتها المراهقة”. «باربي» في تجربة الهرب كان يراودها هاجس الفشل.. الفشل كان مرتبطًا بالملامح الغريبة والبعيدة عن معايير «باربي» الجمالية!
«كين» الذي كان على الهامش في عالم «باربي» الوردي، تبدأ أزمة هويته في العالم الحقيقي عندما يكتشف كيف أن النجاح «صنيعة الرجال”، الأعمال والأموال هي لغة الرجال، النجاح على الطريقة الأميركية. لذا، نرى صور ألفيس بريسلي، وسيلفستر ستالوني، في كادر مراكز المال. بالإضافة إلى أن واحدة من إطلالة «كين» مستمدة من إحدى أشهر إطلالات سيلفستر ستالوني.
حرصت جريتا على التركيز على إبراز مفهوم التنوع وحقوق الآخر في عالم «باربي» الوردي، من خلال نماذج «باربي» المتعددة. فهناك السمراء، والرياضية، والطبيبة، و«باربي» صاحبة الكرسي المتحرك. ويبدو أن هذه المفاهيم ليست حكرًا على عالم «باربي»؛ إذ تأخذنا كاميرا جريتا لصورة عابرة لأبراهام لينكولن، محرر العبيد في أميركا، الذي اختار قيمة الحرية وانتصر لها لأهداف سياسية في المقام الأول.
أطلَّت «باربي» الأنيقة بملابس وعقد وشنطة تعتبر من أيقونات دار شانيل الفرنسية. هذه التقاطعات تجعلنا نطرح سؤالاً، هل حضور شانيل هو من باب رعايتها لسفيرتها بطلة الفيلم مارغو روبي، كوجه إعلاني وفرصة تسويقية؛ إذ تشير بعض الإحصائيات إلى أن معدل البحث في المحركات عن عقد شانيل الفنتج، ارتفع بمعدل 3000%. أمَّا الحقيبة على شكل قلب، فوصل معدل الزيادة في البحث عنها الى 3950%! أمَّا الاحتفاء بشانيل، فلأنها رمز لقدرة النساء على النجاح في الأوقات والظروف الصعبة.
شانيل رمز الأناقة الفرنسية، أدخلت بعض المفاهيم التي كانت حكرًا على الملابس الرجالية في صناعتها، وحررت النساء من مشدات الخصر. جاءت شانيل فأصبحت البنطلونات والجيوب وأقمشة التويد، تليق بالسيدات الأنيقات! ومنحت النساء طرقًا مختلفة للتعبير عن ذواتهن من خلال الملابس. التويد الوردي زاد «باربي» أناقة في إطلالتها المستلهمة من نجمة عروض الأزياء الألمانية كلوديا شيفر عام 1995. تبدو تلك الإطلالة بمثابة إعادة الحقوق الى أصحابها! «باربي» بالأصل فكرة مستمدة من دمية ألمانية تُدعى «ليلي»! بداية «ليلي» كانت كصور متحركة في جريدة شعبية تصدر في ألمانيا الغربية. «ليلي» كانت سكرتيرة لعوبًا في سلسلة القصص المصورة، ثم قررت الصحيفة استثمار نجاحها بإصدار لعبة في بداية الخمسينيات. كانت اللعبة موجهة للرجال، وتباع في محلات الكحول والتبغ! لم تكن لعبة أطفال، حتى قررت روث هاندلر استنساخ التجربة في أميركا! ونجحت التجربة، لأن أميركا تجيد صنعة الدعاية والتسويق والإعلام! فجائحة اللون الوردي التي رافقت فيلم «باربي» وصلت حتى الباستا في التيك توك!
تبدو «ليلي» الألمانية بعيدة، وربَّما مجهولة في أذهان الناس. رغم أن ألمانيا الغربية سبقت أميركا في الدمية، وحتى الفيلم. فهناك فيلم ألماني بطابع كوميدي مقتبس من الدمية أنتج في عام 1958، من بطولة ann smyrner، وإخراج المخرج النمساوي Hermann Leitner. تسويق الفكرة بابتكار أهم من الفكرة المبتكرة.
«باربي» في الفيلم لا تنتصر للنسوية رغم سؤالها عن نسبة تمثيل النساء في مجلس إدارة الشركة المصنعة للدمية، والذي يمثل كليشيهًا نمطيًا عن تمكين المرأة. «باربي» تنتصر للقيم الرأسمالية والاستهلاكية للمجتمع الغربي، وخطوط الإنتاج والاتفاقات مع الشركة المصنعة في هذه الفترة؛ لتعوض الشركة الخسائر التي تكبدتها سابقًا بسبب هجوم النسويات على فكرة تنميط الجمال التي تساهم فيه «باربي».