عبيد التميمي
قبل مشاهدة فيلم «باربي» للمخرجة والكاتبة «غريتا غيرويغ»، كنت جاهزًا لكمٍ هائلٍ من الأفكار النسوية المتطرفة الدخيلة على مجتمعنا. اعتقدت أنني مقبل على العديد من الأثر الواضح للمشاهد المحذوفة لأنها مخلة بالآداب، ليس بسبب تأجيل الفيلم وإشاعات منع عرضه فحسب، بل بسبب الضجة الإعلامية التي رافقته في الولايات المتحدة الأميركية والانقسامات التابعة في الرأي العام. لكنني فُوجئت أن الأفكار التي يعرضها الفيلم ويناقشها بإسهاب، هي ليست بالجديدة أو الدخيلة إطلاقًا، بل أغلب هذه الأفكار دارجة بشكل شائع ومنذ عدة سنوات. على عكس ما يعتقده البعض، فإن تمكين المرأة والمساواة بينها وبين الرجل ليست بالغريبة عن مجتمعنا، خصوصًا في آخر السنوات. الفيلم كان خاليًا حتى من المشاهد المخلة بالآداب، ولم يحتوِ حتى على قبلة واحدة.
من ناحية أخرى، كان هناك ترقب لأفكار العمل تجاه الرجل، والرأي السائد قبل أن يتم إصداره هو أن الفيلم سوف يحتوي على العديد من النكت التي تستهزئ بالرجل وتقلل من دوره في المجتمع. شخصيًا لم أجد ذلك الانطباع؛ الفيلم استهزأ بالرجل بنفس قدر استهزائه بالمرأة باختلاف نقاط الانتقاد. ولا أتفهم الشحن الجماهيري الملحوظ تجاه هذه النكت؛ لأنها ليست بالحدة أو الكثافة التي تصورتها، وهي قطعًا لا تختلف كثيرًا عمَّا شاهدناه في أعمال أخرى. أستطيع القول إن الفيلم استغرق وقتًا أكثر في نقد الوضع الحالي وانعدام المساواة في المجتمع، أكثر من انتقاد فئة مجتمعية بعينها.
تبرع «غيرويغ» بصناعة أفلام «البلوغ» أو «Coming of Age»، حيث تكون بطلة الفيلم شابة أمام مفترق طرق، وعليها اتخاذ قرار مصيري لمتابعة بقية حياتها بأفضل صورة ممكنة. وللوصول إلى هذا القرار، هناك رحلة نفسية يجب أن تخوضها البطلة حتى تستطيع استنتاج هذا القرار بطريقة مناسبة. وبالنسبة لباربي، فالأمر لم يختلف كثيرًا؛ فقاعة الوهم التي تعيشها الدمى في عالم باربي عن المساواة وحقوق المرأة، سرعان ما يتم تفجيرها بعد أن تصل باربي مع حبيبها «كين» إلى العالم الواقعي ويصطدمان بالكم الهائل من الأوهام الفارغة والمفاهيم المغلوطة، التي كانا يعيشان تحتها. ويصبح على باربي أن تتخذ موقفًا جديدًا تجاه هذا العالم الجديد، الذي لا يمكن تجاهله إلى الأبد.
كنت أعتقد أن بداية الفيلم ضعيفة نوعًا ما بسبب الهزلية المبالغ فيها، لكن سرعان ما تظهر أهمية هذه الهزلية حينما نصل إلى العالم الواقعي، وتكون هذه الهزلية في الشخصيات المحرك الرئيسي للقصة والكوميديا الرائعة في الفيلم. لأن الأفكار الموجودة في العالم الواقعي تُعتبر طبيعية وغير صادمة. لكن بسبب العالم الوهمي الذي تعيشه الشخصيات، فإن فكرة مثل عدم المساواة بين الرجل والمرأة تبدو جحيمًا لا يُطاق.
بالنسبة لفيلم كوميدي هزلي، فأنا لم أتوقع أن تكون الأداءات التمثيلية نقطة قوة، ولكن «مارغو روبي» بدور باربي، و«راين غوسلينغ» بدور كين، يظهران بشكل ممتاز جدًا. هناك اعتناق كامل لسذاجة هذه الشخصيات، لذلك حينما تنصدم باربي بأنها لا تحصل على التقدير والاحترام الذي تستحقه، فهذه الصدمة تأتي بقوة ضخمة لا يمكن تحملها. وما يبدو للمشاهدين فكرة ساذجة وطفولية، تعامله باربي على أنه أزمة وجودية تعصف بعالمها بأسره، ونحن كمشاهدين نصدق هذه الأزمة تمامًا بسبب الأداء الرائع لمارغو روبي.
مهما كانت الانتقادات التي سوف توجه إلى الفيلم، فإن كوميديا الفيلم هي أحد أفضل نقاطه وأكثرها تأثيرًا. من دون نجاح كوميديا «غيرويغ»، كنا أصبحنا أمام عمل تلقيني وعظي أشبه ما يكون بفيديو تعليمي للأطفال. تنجح روبي وغوسلينغ بموازنة هذه الشخصيات، فليس هناك جدية مفرطة في الأداءات تجعلها رمادية، ولا يوجد هناك وعي وإدراك لسذاجة الشخصيات الذي من الممكن أن يُفقدها أي نبرة من الواقعية ويقلل من حدة موقفها. كما يظهر ويل فاريل، بصورة كوميدية خالصة، وينعش الفيلم في كل مرة يظهر فيها؛ حتى لو كانت شخصيته من غير هدف واضح، أو خط سير مُطوّر.
أكبر مشاكل الفيلم كانت في ثلثه الأخير، بعد ما كنا أمام نقد ذكي للأفكار المثالية للحركة النسوية واستغلال الرأسمالية لهذه الأفكار عن طريق صناعة دمى باربي من دون أي تمكين حقيقي للمرأة؛ أخذ الفيلم منحنى آخر، وأصبح تلقينيًا بشكل فاضح، وكثرت مشاهد الاستعراض والشرح، وبدل أن يُرينا الفيلم تطور أحداث القصة وكيف يمكن للشخصيات إيجاد حل لمعضلتها، أصبحت الشخصيات تسرد الحلول والخطة المطلوبة للنجاح، وكأننا نشاهد فيلم سطو وسرقات يجتمع أبطاله قبل المهمة النهائية لشرح تفاصيلها للمشاهدين.
إجمالاً، أعتقد أن باربي فيلم كوميدي ممتاز، ويُطعم هذه الكوميديا بأفكار نقدية واضحة وبسيطة للاستهلاك العام. لكن الفيلم كان يمكن أن يستفيد من تطوير نهائي للنص يجعل من ثلثه الأخير أقل هزلية وأكثر تماسكًا. أتفهم تمامًا أنني أطالب بنهاية متماسكة لفيلم عن دمية باربي، لكن هذا أقل ما يمكن أن أطلبه حينما قرر صنَّاع الفيلم أن يأخذوا هذه الشخصيات على محمل الجد.