عبدالله الزيد
ضمن حوار أجراه المخرج الفرنسي «فرانسوا ترافوا» وترجمته على قناتي في اليوتيوب، قال: «إنَّه ليس ضد أن يكون للسينما قضية، لكنه ضد أنْ يتلاعب كفنان بعقول الناس عبر إقناعهم بأنَّ الصواب له شكل واحد فقط!». وهذه الفكرة التي طرحها مخرج الموجة الفرنسية في الخمسينيات كانت – ولا تزال – ضمن نقاش مستمر حول قضية “هل الفن لأجل الفن، أم الفن لأجل القضية؟!”، إذ يظهر مثل هذا النقاش اليوم مع عرض فيلمي «أوبنهايمر» و«باربي» في صالات السينما السعودية.
من المهم الإشارة إلى أن مسألة «الفن لأجل الفن»، جاءت نظرًا لمتغيرات اجتماعية وفلسفية دعت لها حركات فكرية رومانسية؛ لمواجهة التطور السريع والمذهل لعصر الحداثة العقلاني الصناعي إبان القرن التاسع عشر، حينها كانت الحداثة العلمية تقول إنَّ للحقيقة شكلاً موضوعيًا واحدًا فقط يمكن الوصول إليه عبر إجراءات علمية يجب أنْ تبتعد عنها القيم التقليدية والذاتية والعاطفية. وهذا ما خلق عالمًا من الاغتراب الفني والإنساني؛ إذ ابتعد الفن عن وظيفته الجمالية واُحُتكِرَ ضمن عِراكات الحقيقة: الصواب والخطأ! وحينها سُخِّرت الحياة كلها – وليس الفن فقط – لشكل من الحقيقة البيروقراطية الصلبة، وأصبحت الفنون مجرد وسيلة؛ تخضع لسلطة المؤسسات؛ إذ أصبح العمل الفني هو ما يحكم المؤسسات بناء على إجراءاتها بأنه عمل فني، ولكي يحكم على القطعة الفنية بأنها فنية يجب أن توجد في المتاحف ودور العرض فقط، وأصبح الفنان جزءًا من عملية بيروقراطية دقيقة ومعقلنة، وبالتأكيد مؤدلجة! بينما لم تعد لذاتيته أي قيمة! وبالتالي ظهرت هنا عبارة «الفن لأجل الفن” كصرخة رومنطيقية إنقاذية، تعطي للفن بُعدًا جماليًا وعاطفيًا، بعيدًا عن صراعات العقل والمنطق. وهذا الجدل الفكري يمكن تلمسه لاحقًا، وتحديدًا منتصف القرن العشرين، بظهور مدارس فنية تكفر بمبدأ التفسير الواحد والقراءة الأحادية.
خلاصة القول، يجب ألَّا نفهم من عبارة «الفن لأجل الفن» أنْ يكون الفن معزولاً عن العالم الخارجي بأفكاره وصراعاته، إنما يجب أن نُعطي للبعد الجمالي في العمل الفني حقه من المتعة الحسية والعاطفية؛ بعيدًا عن تقييماته الفكرية التي هي جانب آخر من التناول يمكن التلذذ بها تقبلاً أو رفضًا.
القصد أنَّ العمل الفني – كما يراه هايدغر – وسيلة إنسانية بديعة للتعبير عن الحقائق التي يعجز العقل، وكذلك اللغة، عن التعبير عنها. وأمَّا مسألة الصواب والخطأ وقضية الحقيقة، فهي نقاش آخر يمكن أن يحمله الفنان أيضًا؛ ولكن دون أي تبعات على قيمة عمله الجمالية.