عبدالرحمن الأنصاري
«خالي مشاعر لو تعاملت بشعور، الصدق يبحث داخلك عن حقيقة»، حين شدا بها رابح صقر في منتصف التسعينيات، لم يدر بخلده أنها ستكون السطر الأخير الذي سيجعل من فيلم «سطار» لحظة وجودية توغل في الحفر داخل الذات السعودية، عبر شاشات سينماها، وبمعالجة فنية من عقول أبنائها. ولكونه من قلة الأفلام التي لم تتعالَ على الواقع، فقد جعل صنَّاعه نواة سرده البصرية تنمو حيث اعتاد كل شخص أن يمر، لتتشكل الأحداث معجونة بسيرة موظف رتيب يتطلع لبناء مستقبله متعاركًا مع ضغوطات تحاصره لتوفير متطلبات العرس وتلبية طلبات والدة العروس؛ محملاً بإرث تشاركه مع جده، وحبكة تتقاطع مع جهود الجهات الأمنية، وتجربة تتوغل بالمشاهدين في عمق الحياة الشعبية والعمالية.
وكما تتعالق المصائر يتحول «علي هوجن» مع «سطار» إلى كائنات تسكن الذاكرة بسهولة، معتمدين على بناء سردي محكم يلتقيان فيه كما لو كانا من عالمين منفصلين، مجسدين الذات في طور الحلم والطموح، تلك التي ستعتمد فيما بعد على تأطير يحتكم إلى نسيج أمني محكم يطوق البنية السفلية للمجتمع، كما يعكس نموها ومواكبتها لطموح الأجيال الجديدة المتطلعة لمحاكاة ما يحدث في العالم.
«سطار» الذي كان أنموذجًا حيًا للعديد من القصص السعودية البسيطة، التي يجب أن تروى للآخرين ليعيشوا معنا تفاصيلها وفصولها، ينقلنا خطوة جديدة نحو نضج صناعة السينما المحلية التي يجب أن تعتمد على موروثها وإرثها الثقافي والمجتمعي لتصل إلى مدى أبعد. فالانتقال من الصبغة المحلية إلى العالمية، يحتاج إلى عمل يرتكز على مقومات من أهمها التركيز على هوية البلد المنشأ للفيلم لتلائم الواقع، وتحظى بالقبول لدى المشاهدين والمتابعين الذين يبحثون في غالب الأمر على اكتشاف ثقافات جديدة وعادات تختلف عن عاداتهم.
والمشاهد لـ«سطار» لا بدَّ أن يلاحظ ذلك من خلال عزف الفيلم عبر معالجته المتقنة على وتر استكشاف الذات، والبحث في أغوارها عن الشغف، ومطاردته لتحقيق الطموحات. وفي قالب كوميدي غير متكلف وبناء درامي تمتزج الواقعية الصارخة باستعارات سينمائية منسجمة مع إيقاعه وقدرة ساخرة صارخة؛ إضافة إلى توليفة موسيقية تعجن مشاهده بخلفياتها، وتبرز مدى غنى وتنوع وفرادة المجتمع المحلي.
هذه المعالجة المتقنة من صنَّاع الفيلم وطاقمه، كانت سببًا رئيسيًا في أن يزاحم على المراكز الأولى في شباك تذاكر السينما المحلية والإقليمية؛ إذ حقق فقط خلال أول 10 أيام أعلى مبيعات في تاريخ الأفلام السعودية، متفوقًا على عدد من الأفلام العالمية والعربية التي طرحت بالتزامن معه في السينما، ومن أشهرها الفيلم العالمي «أفاتار: ذا واي أوف واتر»؛ ليرسل بذلك رسالة لجميع صنَّاع الأفلام مفادها أن النجاح يمر عبر البوابة المحلية وثقافتها وإرثها.