محمد عبدالله الأنصاري
في ظل زحمة الأفلام التجارية «Mission: Impossible» و«Barbie»، ضاع فيلم ويس أنديرسون «Asteroid City» بين الفقاعات الإعلامية لهذه الأفلام، التي تستحوذ على جميع دور العرض حول العالم، رغم أن هذا الفيلم كان من أجمل إنتاجات المخرج «ويس أنديرسون» وأكثرها حريةً وعمقًا.
«Asteroid city dose not exist, it’s an imaginary drama created expressly for this broadcast»، هذا هو أول حوارات فيلم «Asteroid City». تمرَّس ويس أنديرسون منذ بدايته كصانع أفلام في كسر الجدار الرابع في الكثير من أفلامه. في معظم الأحيان يؤخذ الجدار الرابع من موقع التصوير بشكل حرفي كفيلم «The Life Aquatic with Steve Zissou»، ومؤخرًا فيلم «The French Dispatch»، وفي فيلم «Moonrise Kingdom» تتحدث الشخصية مباشرةً للجمهور، لذلك كان متوقعًا مشاهدته. يفعلها مرة أخرى في فيلم «Asteroid city»، ولكن في هذا الفيلم لم يُكسر الجدار الرابع فقط، ولكن بطريقة ما أصبح الجدار غير مرئي، ويصعب ملاحظة وجود جدار رابع أو عدمه، مما جعل الفيلم مميزًا بالنسبة لي.
«الجدار الرابع هو المكان الذي تقف فيه الكاميرا، يضع الجدار حاجزًا بين عالم الشخصيات في الفيلم أو المسلسل وبيننا كمشاهدين، وقلَّما يحصل أن يتعرف الممثلون في المشهد على الكاميرا أو الجمهور “يكسروا الجدار”».
يُجاوب عن ماذا تدور أحداث فيلم «Asteroid City»، بعد سبع وثلاثين دقيقة من الأحداث، الممثل إدوارد نورتون الذي يؤدي دور شخصية كاتب المسرحية في الفيلم، بقوله:«infinity and.. i don’t know what else».. تتمثل المسرحية التي تدور أحداث الفيلم عنها في كونها برنامجًا تلفزيونيًا ينقسم إلى جانبين: الأبيض والأسود، يأخذنا لمراحل كتابة المسرحية والعمق الذي تتسم به؛ الجانب الملون ويمثل أداء المسرحية، وعدد الممثلين على بوستر الفيلم يوازيه عدد الأفكار التي يريد طرحها ويس أنديرسون. ولكن إن نظرنا عن قرب عمَّا تمثله «Asteroid City»، نجد أن الفيلم مليء بالأسئلة عن عالم الترفيه، والسرد القصصي، والكائنات الفضائية، والحجر الصحي، وأميركا، وعن معنى الفن والعثور عن معنى للحياة. فيلم «Asteroid City» بالنسبة لي هو الإحساس بعدم اليقين حول كل شيء يحيط بنا، وأن تكون مجبرًا على التعايش في عالم مع عدم اليقين بما قد يحدث، وهو أقرب ما يكون للعالم الآن.
قد يبدو الفيلم غريبًا للبعض أو غير واقعي للآخرين، ولكن السينما ليس لها حدود تُقيد صانعيها. لو عدنا سابقًا لبدايات أفلام تشارلي شابلن الصامتة، وإلى الأفلام الموسيقية، وحقبة الأفلام الملونة، ثم عودةً لأفلام الأبيض والأسود؛ كلها أساليب سينمائية وجدت على مر السنوات كأدوات لصانعي الأفلام وليست حواجز وحدودًا. ففي فيلم «The Artiest 2011» الذي فاز بجائزة الأوسكار كأفضل فيلم حينها، كانت تدور أحداثه عن نجم أفلام صامتة «George Valentin»، تتغير الحياة على ممثل الأفلام الصامتة «بطل القصة»، وتنحدر مسيرته مع دخول الأفلام غير الصامتة أو المتحدثة. الجدير بالذكر أن جميع أحداث الفيلم كانت بدون حوارات مما قد يبدو غريبًا، مقارنةً مع الأفلام التي نشاهدها في الدور السينما الآن. ولكن فهمنا للسينما، وتفهمنا للمخرج ويس أنديرسون، يأتي بشكل أساسي في التمعن بالأفكار الفنية الجديدة التي يحاول صانعو الأفلام تصورها، من أجل خلق تجربة سينمائية مختلفة.