سوليوود «متابعات»
يسيطر شعور بعظمة الإرادة لدى مشاهدة وثائقي «ارتقاء: رحلة المرأة في المملكة العربية السعودية – Rise: the journey of women in Saudi Arabia»، الذي بدأت «نتفليكس» عرضه مؤخرًا. تتساءل أي نوع من العزائم تلك المنبثقة من المستحيل إلى الممكن، والقادرة على الانتزاع؟ 25 امرأة سعودية يسردن حكاية الإيمان بالقوة الداخلية.
عُرض الفيلم في جدة، وصوتٌ نسائي واثق بأنَّ الحصاد يلي الزرع. أمام كاميرا مخرجته دانية الحمراني، وهي أيضًا المنتجة مع دانية نصيف «Eggdancer productions»، تستعيد سعوديات رحلة وصولٍ تلتحف برغبة في كسب مزيد من الانتصارات. طبيعةُ الدروب الاتِّسام بالوعورة وهي تفضي إلى الوجهة الكبرى. السهل، لم يكن قدر المرأة السعودية، لكنها قطعت أشواطًا، وعلَّمت دروسًا في هزيمة الصعب.
لنحو ساعة، والسِيَر تتوالى وتُلهم. مَن يُرد يصل. هذا درس أول. صحيح أنَّ الظرف قد يقسو، وثمة نظرات تمارس الرجم؛ إنَّما البديع يكمن في مواصلة السعي. لكلٍّ من السيدات الـ25 رسالة. يُخبرن قصص المواجهة وأثمانها. لا مفرَّ من ضريبة التغيير، يُشرن إليها من دون جرِّ الحديث نحو التعاطف الدرامي. الفيلم احتفاء بالجبابرة.
دخلت سارة العطار التاريخ بمشاركتها في سباق العدو بأولمبياد لندن 2012. جنبًا إلى جنب، سار الفخر مُكلَّلاً بالمسؤولية. فقد كانت أول امرأة تمثِّل نساء السعودية في الألعاب الأولمبية. «السباق مثل الحلم، عشتُ تجربة الخروج من الجسد»، تُخبر عن مَفارق ألهمت أخريات الشجاعة.
لم تحقق الفوز، لكنها حققت انتصارًا هائلاً للمرأة السعودية. لكلٍّ منهنَّ حكاية في كسب جولة وسط احتدام معارك الحياة. لم يقلن إنَّ الرحلة انتهت. جميعهن توَّاقات إلى صناعة الحدث، ليس من أجلهن فحسب، بل لإلهام الأجيال حَمْل الشعلة.
مثل إلهام عميدة كلية جدة ناديا باعشن، النساءَ، بتقرير المصير. «لا أريد الرجل أن يخبرني من أي باب أدخل أو في أي مكان أقف. لا أريد أن يقرِّر لي ما يجب أن أدرس وأي مهنة أختار»، تُعلن تبدُّل المعادلة. السعوديات مثال نبيل حيال انتزاع المساواة المتعلقة بقبول الزواج أو رفضه، وباختيار الزوج. «هذه هي المساواة التي أبحث عنها»، قاصدة حرية الاختيار وتكافؤ الفرص.
أسماء لها مكانتها الاجتماعية تترك بصمة على صفحات التاريخ. والأخير تُحرِّكه عجلة لا تهدأ، تواصل السير إلى الأمام وعدم التطلُّع إلى الوراء ما دام أنَّ الالتفات مؤذٍ. 25 سيدة بينهنَّ عضو مجلس الشورى ثريا عبيد، ووكيلة الدراسات العليا والبحث العلمي بكلية التمريض في «جامعة الملك عبدالعزيز» الدكتورة إلهام النقشبندي؛ وعائشة المانع، عضو مؤسس من أعضاء مجلس الأمناء بكلية محمد المانع للعلوم الطبية؛ وأوزان أخرى تملأ المناصب، في السياسة والدبلوماسية والقضاء والإعلام والرياضة والفن. نساء يتولَّين القيادة ويأبين استبعادهنَّ من المقدِّمة.
يمكن الإصغاء باهتمام إلى أصداء تتردَّد في فضاء طليق. ردُّ فعل والدة الممثلة خيرية أبو لبن، وهي تخبرها أنها ستظهر على التلفزيون، تعارَض مع قرارها بالموافقة والاتكال على الله. كان أول انطباع: «ماذا سيقول الناس؟ كيف ستتزوجين؟»، ومن إجابة الشابة الحالمة بأنَّ الزواج ليس كل شيء، انطلقت بجرأة واثقة الخطوة التي تمشي ملكة.
يعود الوثائقي إلى بدايات تعليم المرأة السعودية. تشير ثريا عبيد إلى تعب النساء جراء المطلوب منهن: «يظنُّ مَن في جيلي أننا آلات، يجب أن نفعل كل شيء، فنكون أمًا وزوجة وطباخة ومعلمة جيدة. هذا مُرهق». لذا تخلُص إلى حقيقة أكيدة: «مقابل كل ذرَّة حرية، ثمة مسؤوليات ضخمة».
انتُقد رجال نقلوا بناتهم من عدم الدراية العلمية إلى التخرُّج في الجامعات. سيدات في الوثائقي يخبرن عمَّا تَحمَّلنه لرفض اقتصار العلم على الذكور فقط. ثم تدخَّلت الدولة لتجعله متاحًا وتُسهِّل المسار نحو المعرفة. ففي عام 1955، وافق الملك سعود على افتتاح مدرسة «النصيفية»، أول مدرسة نظامية في المملكة. 300 طالبة هرعْنَ إلى حجز مقاعدهنَّ منذ اليوم الأول. مرَّت سنوات، لتتمثَّل المرأة السعودية في الأمم المتحدة وأهم البعثات الدولية.
جميلة استعادة وقائع ترخي إحساسًا بشيء من العدالة. في الشريط، يعلو خطاب مفاده أنَّ المرأة ليست مجرَّد زوجة لأحدهم، تقتصر مَهمَّتها على إنجاب الأطفال أو تولِّي وظائف بعدد أصابع اليد. الشعور بالتفرُّد والتميُّز، هو الغاية السامية المتَّكئ عليها العمل ونوايا صانعاته.
راحت نقطة الماء تُحدث اللين المنشود وهي تواصل حفرها في الصخر. ولإدراكه أهمية التعليم في نهوض المجتمع وتقدُّم إنسانه، أتاح الأمير فيصل للنساء ارتياد المدارس في أنحاء المملكة. كان العام 1960 حين تأسَّست أول مدرسة خاصة، مهَّدت لازدهار العلم وولادة العلماء. السعودية اليوم في الفضاء.
التعليم هو شيء لا يمكن لأحد أن يسلبك إيَّاه، تُردد الألسن وتُكرر. يمكن المرء الحصول على وظيفة أو فقدانها، ويمكنه جني الأموال أو خسارتها؛ لكن لا يمكن لأحد أن يجرِّده من المعرفة.
رائعة قصص نساء سعوديات في عالم الرياضة: فروسية، ركض، تسلُّق جبال… تتعدَّد المهن والصوت الداخلي واحد: «إننا قادرات على فعل الكثير. نحن محاربات حقًا وقد فتحنا الطريق لمَن سيلحق بنا».