سوليوود «متابعات»
قدّم المخرج الأميركي الشهير «ستيفن سبيلبرج» فيلم «ذكاء اصطناعي A.I. Artificial Intelligence» في صيف العام 2001؛ الفليم الذي تدور قصته في القرن الـ22 حول الطفل ديفيد الذي صممته التكنولوجيا الحديثة ليكون صالحًا للتبني لأبوين أميركيين، لكن الأم ترفضه لأنه ببساطة يبدو مصطنعًا ومثاليًا أكثر من اللازم، وقد يشكل خطرًا كبيرًا على أسرتها. سيحاول الطفل أن يكون بشريًا، لكن الأمر يبقى صعبًا إن لم يكن مستحيلًا.
يبدو خطر الذكاء الاصطناعي أقرب مما تخيل سبيلبرج، قبل 22 عامًا، بل إن الخطر اليوم يداهم كتاب السيناريو في هوليود أنفسهم، حيث يواصل أكثر من 11 ألفًا من كتاب السيناريو في هوليود الإضراب لأول مرة منذ 15 عامًا، بعد فشل محادثاتهم مع أستوديوهات هوليود الكبرى حول أجورهم، ورفضهم استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في الكتابة.
وتحالف منتجي الصور المتحركة والتلفزيون، برفض حظر استخدام هذه التقنيات في الكتابة أو إعادة الكتابة، وعرض عقد اجتماعات سنوية لمناقشة تطورات هذه التقنية.
ويتزايد القلق من مخاطرها، حاول البعض من كتاب السيناريو اختبار تقنية الذكاء الاصطناعي فعلًا في الكتابة، ومن أشهر هذه المحاولات ما أعلنه مؤلف ومنتج مسلسل «المرآة السوداء Black Mirror»، تشارلي بروكر قبل إطلاق الموسم السادس مع على منصة «نتفليكس Netflix» الأسبوع الماضي.
وكان الموسم الخامس من المسلسل الشهير قد أطلق في يونيو 2019، وبعدها قرر المؤلف تشارلي بروكر كتابة الموسم الجديد.
كسر القواعد
قال تشارلي بروكر، في حديث لمجلة «إمباير Empire» البريطانية، إنه حاول اللعب بالذكاء الاصطناعي مستخدمًا تقنية «شات جي بي تي ChatGPT»، حيث أمرها بكتابة حلقة جديدة من مسلسل «المرآة السوداء»، وكانت النتيجة معقولة عند قراءتها للمرة الأولى، لكن عند قراءتها ثانية كانت مجرد هراء.
وأضاف بروكر أن تطبيق الذكاء الاصطناعي بحث عن ملخص حلقات المسلسل، ومزجها معًا، ولم يقدم أي فكرة أصلية على الإطلاق.
يرى بروكر أن المسلسل نفسه لا يضع التكنولوجيا كمشكلة في حد ذاتها، لكن كيف يستخدم البشر هذه التكنولوجيا، ولكي يكتب بروكر الحلقات الجديدة من المسلسل كان لا بد أن يعود لجميع حلقات المواسم الخمسة ليدرسها بعناية، ولكي يضع حبكات جديدة من الموسم السادس، وكي يضع اعتقاده الخاص بما يمكن أن يكون حلقة جديدة من المسلسل، وكان حريصًا على أن يكسر القواعد الخاصة بالحلقات السابقة ليقدم شيئًا جديدًا يصفه بـ«كوب من الماء البارد في الوجه».
وعلى على سبيل المثال، تدور أحداث حلقة «تحت الماء» من الموسم الجديد حول مهمة مستحيلة في العام 1969، هي مزيج من ماض بائس مع الحاضر والمستقبل، حيث ولدت لديه فكرة الحلقة في البداية، ثم فكر أن يجعلها تدور في 1969، وسيكون ذلك مزعجًا ورائعًا.
الموسم السادس
وكانت منصة «نتفليكس» أطلقت الموسم السادس من مسلسل «المرآة السوداء» من 5 حلقات، يحافظ فيها على نمطه العام في تقديم حلقات منفصلة، تدور في أغلبها في عالم المستقبل القريب أو البعيد، يختلف الأبطال وأماكن التصوير في كل حلقة، لكنها كلها تتناول تأثير التكنولوجيا على حياة البشر بطريقة سوداوية أو مأساوية غالبًا، وتبلغ مدة كل حلقة نحو الساعة.
وتناول المسلسل في مواسمه السابقة ثيمات «مواضيع» مختلفة من عالم الخيال العلمي والفانتازيا، من الرجال الآليين وأنظمة المراقبة والتطبيقات الشريرة وألعاب الفيديو، وترفع كل حلقة علامات تحذير عما يمكن أن تسببه التكنولوجيا الحديثة في إفساد حياة البشر وتدمير العلاقات الإنسانية.
كما قدم حلقة تفاعلية خاصة بعنوان «باندرسناتش Bandersnatch»، جعلت المشاهد يتحكم في مصير الشخصية الرئيسية، ويلعب دورًا في اختيار أبسط الأشياء في حياته وحتى قراراته المصيرية، في حلقة أثارت اهتمام الجمهور رغم الجدل حول إتقانها في تقديم هذا النوع الجديد من الدراما التلفزيونية التفاعلية.
نقطة بداية وليست نهاية
من جانبه، يرى الكاتب فابيو مونتاناري صاحب أعمال على منصات نتفليكس، و«أمازون Amazon»، و«إتش بي أو HBO»، أن التقنيات الجديدة طالما قدمت أشكالًا إبداعية جديدة، مثلًا عندما تم اختراع التصوير الفوتوغرافي أثر ذلك على شكل وأسلوب الرسم، والذكاء الاصطناعي هو أحدث ما تقدمه التكنولوجيا، معتبرًا إياه جزءً من واقعنا الحالي، بالإضافة إلى اعتباره تهديدًا، يمكن أن نراه أداة ليس للقيام بالكتابة نيابة عنا، كما نسمع أحيانًا، ولكن كمساعد، يمكن أن يساعد في تسجيل الاجتماعات، وتوفير الوقت في عمل البحث اللازم، وتلخيص المعلومات وقصص الأفلام.
وأكد فابيو أنه حاول شخصيًا تبادل الدردشة مع تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وجاءت النتائج محبطة للغاية، رغم أن كتابًا آخرين قد تكون لديهم تجارب مختلفة، مضيفًا: «لقد وجدت أن أدوات الذكاء الاصطناعي مفيدة كنقطة بداية وليس كخط نهاية».
كل شيء قد يتغير قريبًا
وعن التحديات التي تواجه كتابة القصص باستخدام هذه التقنية، يرى فابيو أنه من الضروري أن نكون على دراية بجميع المميزات التي قد يقدمها الذكاء الاصطناعي، ففي النهاية، يجمع المعلومات من البيانات التي تم إدخالها عبر الإنترنت، كما أنه يشكل خطرًا عندما يتعلق الأمر بتعكير صفو ظروف العمل الهشة بالفعل للكتاب، هذا هو أحد المطالب المشروعة التي يدعو إليها إضراب كتاب السيناريو في هوليود.
وأوضح أن الأمر قد يدخل مرحلة يتم فيها التفكير في تعويض مبتكري الأفكار ماليًا التي تغذي نظام الذكاء الاصطناعي، بعد أن تكون كل هذه المواد المبتكرة هي مفتاح عمل الذكاء الاصطناعي، ومع ذلك إذا كانت الصناعة ستعتمد على الذكاء الاصطناعي لإنتاج أفلام جديدة، يُعتقد أنها ستؤدي إلى أفكار جيدة التنفيذ للغاية ولكنها غير أصلية، وقد يتغير كل هذا بعد 6 شهور من الآن، خاصة أننا نتحدث عن تقنية دائمة التطور.
معنى وشعور بالهوية
وأضاف فابيو، الذي يعمل أستاذًا جامعيًا لمادة كتابة السيناريو في جامعة يورك الكندية، أنه يؤمن بالقدرة الذاتية للفنانين على قراءة ما نعيشه وترجمته إلى فن، والتي تنتج حركات إبداعية وتمد الفنانين بمعنى وشعور بالهوية، وهذه أمور لا يُعرف ما إذا كان الذكاء الاصطناعي قادرًا على فعلها، مؤكدًا أنه مع ذلك، بالنسبة لطلابي في مادة كتابة السيناريو، كنت أحاول تحفيزهم على كتابة قصص لن يكررها الذكاء الاصطناعي على الأرجح، من حيث النوع والمحتوى.
لم يقع في الحب
وحاول أحد كتاب هوليود المشهورين المشاركين في إضراب كتاب هوليود استخدام تقنية «شات جبي بي تي» لكتابة لافتات ساخرة للإضراب، فجاءت النتيجة سيئة للغاية.
ويرى الكاتب، الذي رفض ذكر اسمه خلال اليوميات المنشورة، في حديث مع موقع «هوليود ريبورتر Hollywood Reporter»، أنه من الواضح أن تقنية الذكاء الاصطناعي ستتحسن، وستكون قادرة في النهاية على فهم الفروق الدقيقة والسياق، وستكون أكثر قدرة على ضبط واتباع التوجيهات واتخاذ خيارات إبداعية، لكنها ستبقى في نهاية الأمر كأنها نابعة ممن شاهد مجموعة من الأفلام وبرامج التلفزيون، وفهم فكرتها العامة وهيكلها، لكن ليس لديه ما يقوله مطلقًا، لا تهتم بشيء، ولا توجد لديها هواجس وأفكار خاصة.
وأشار الكاتب إلى أن تقنيات الذكاء الاصطناعي ليست لديها خبرات إنسانية خاصة، لم تقع في الحب، لم ينكسر قلبها، لا قصص شخصية لديها، لم تعان من الغيرة، لم تختبر المشاعر الإنسانية.
وذكر أنه من واقع تجربته مع التقنية في محاولة كتابة مزحة ساخرة حول إضراب كتاب السيناريو، عندما طلب منها أن تكون «قاسية»، ردت التقنية «من المهم التعامل مع أي إضراب أو احتجاج باحترام ومهنية وتركيز على التغيير الإيجابي»، وإذا لم تكن هذه التقنية قادرة على أن تكون قاسية أو ساخرة، فستبقى تلتزم فقط بالقوانين والقواعد.