سوليوود «متابعات»
في ظل التقدم التكنولوجي الهائل في صناعة السينما أو التلفزيون أصبح بالإمكان تحقيق أشياء لا تُصدق. هذه التطورات وآخر تحركات القطاع السمعي البصري، جعلت من المألوف مرة أخرى الحديث عن عناصر خاطئة تمامًا تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي، أو استبدال الوجوه، أو حتى تجديد شباب الممثلين بحيث يبدون أصغر من 30 عامًا.
منذ سنوات قليلة، ظهر ما يسمى بتقنيات التزييف العميق «deepfake» التي تسمح بالتلاعب بالفيديوهات بطريقة غير مسبوقة لا يُمكن التفرقة بينها وبين المقاطع الأصلية. وتعتمد هذه الآليات على تقنيات الذكاء الاصطناعي وتتطور بسرعة هائلة؛ ما يثير الكثير من القلق من إساءة استخدامها. ولكن وسط التأثيرات السلبية لهذه التقنية، فإن لديها عنصرًا إيجابيًا مهمًا، وهو ما تلقفته هوليوود بسعادة بالغة.
وتشير العديد من التقارير إلى أن التقنية ظهرت خلال التسعينيات من القرن الماضي، ومع أن التركيز عليها بدأ بقوة في السنوات الأخيرة، فإنه لا توجد معلومة تؤكد أين ظهرت؟ فالبعض يقول إن هذه التقنية ظهرت من خلال بعض الهواة قاموا بعمل فيديوهات للمشاهير، وهناك بعض الأقاويل أنها بدأت في الأفلام، لكن الواقع يقول أنه ليس هناك تأكيدات حول من بدأ باستخدام هذه التقنية.
وتحقَّق التطور الإيجابي عن طريق شركة «فلولس» البريطانية التي طورت خلال عام 2021 أحدث أساليب «دبلجة» الأفلام السينمائية. وقد شارك في تأسيس الشركة المخرج «سكوت مان»، وكان السبب في ذلك – كما يقول – أنه سئم رؤية دبلجة سيئة في أفلامه.
وعلى الرغم من أن الحديث حول هذا الموضوع أصبح شائعًا جدًا في السنوات الأخيرة، فإن هذه التقنيات «خاصة CGI» هي شيء تم استخدامه في الأفلام والتلفزيون والإعلان لفترة طويلة. ومع ذلك، فإن عدم معرفة الجمهور بهذه التقنيات يُمكن أن يقود عادةً إلى إرباكهم، أو حتى الاعتقاد بأنها ليست سوى «أشياء صنعها الذكاء الاصطناعي»، غير أن الحقيقة هي أن هذه عناصر مختلفة تمامًا، لكن يُمكن أن تصبح مكملة بعضها لبعض.
من ناحية أخرى، فإن التقنية «CGI» أو الصور التي تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي، غالبًا ما تُستخدم هذه الأنواع من الرسومات، سواء كانت ثلاثية الأبعاد أو ثنائية الأبعاد، في الفن والأفلام والبرامج التلفزيونية والإعلانات أو ألعاب الفيديو.
بالإشارة إلى السينما والتلفزيون، غالبًا ما يتم استخدام «CGI» لإعادة إنشاء المشاهد التي قد تكون في العديد من المناسبات أكثر تكلفة في الحياة الواقعية من توليدها من خلال تقنيات حسابية متقدمة مع أجهزة الذكاء الاصطناعي. ولكن إذا أخذنا الأمر إلى أقصى الحدود، فهناك مشاهد لا يُمكن الحصول عليها إلا باستخدام CGI، مثل إظهار ممثل أو ممثلة متوفاة في فيلم أو مسلسل. ومثال على «CGI» ويعدُّ مسلسل The Mandalorian مثالاً على تقنية «CGI»، فقد تم إنشاء الرسومات الخاصة به باستخدام الكمبيوتر.
«جال جادوت» بطلة مسلسل سبعينياتي!
يمكن للهواة تحقيق تطورات رقمية مذهلة للفيديوهات باستخدام برامج بسيطة، ومن الأمثلة على ذلك، فيديو نشره أحد الهواة على اليوتيوب قبل عرض الجزء الجديد من فيلم المغامرات «Wonder Woman 1984 – المرأة المُعجزة 1984»، الذي يضم لقطات مجمعة من فيلم «Wonder Woman» المعروض عام 2017، وتظهر فيه الممثلة «جال جادوت» وهي تحسد شخصية الأميرة الأمازونية الخارقة «ديانا» من عالم DC كوميكس. والعجيب أن وجه البطلة هو وجه الممثلة «ليندا كارتر» وليس وجه «جال جادوت»، و«ليندا» هي الممثلة التي قامت بأداء شخصية «المرأة المعجزة» في مسلسل تليفزيوني تم عرضه بين عامي 1975 و1979.
وللمزيد من التحدي قام صاحب الفيديو بتنفيذ فيديو آخر ركَّب فيه وجه «جال جادوت» على لقطات من المسلسل السبعينياتي. ومن المثير للاهتمام أن «ليندا كارتر» البالغة من العمر 70 عامًا تظهر ضيفة شرف في نهاية فيلم «المرأة المُعجزة» الأخير، وبدت أكثر شبابًا من عمرها الحقيقي، وبدون استخدام أي خدعة جرافيكية على الإطلاق.
واستغرق مُنفذ الفيديوهات السابقة بعض الوقت لجمع الصور واللقطات المُناسبة وإدخالها في برامج لتحسين جودتها، ثم مُعالجتها من خلال برامج الذكاء الاصطناعي المُتقدمة، التي تعتمد على ما يُسمى «Machine Learning التعلم الآلي»، ومنذ عام 2017 بدأت هذه البرامج في تقديم نتائج مُذهلة وواقعية للغاية.
الحنين للماضي وعودة «فؤاد المهندس»
في عام 2013 اعتمدت شركة مشروبات غازية شهيرة في حملة دعايتها في الشرق الأوسط على مُخاطبة حنين الجمهور العربي لنجوم قدموا برامج الترفيه الرمضانية خلال حقبتي الثمانينيات والتسعينيات، وأعادت على الشاشة شخصيات مثل الفنان الراحل «فؤاد المهندس»، وذلك بواسطة الجمع بين صورة ممثل شبيه وتقنية التعديل بالحاسوب. وبطريقة مُشابهة تم تركيب وجه اللاعب البرتغالي «كريستيانو رونالدو» على وجه دوبلير في حملة دعاية مصانع حديد مصرية شهيرة.
وهناك حالات استخدمت فيها هوليوود تبادل الوجوه رقميًا لأسباب فنية؛ فبعد وفاة الممثل «بول ووكر» بطل سلسلة «Fast & Furious» عام 2013، تم استخدام نفس تقنية إعلاني «فؤاد المهندس» و«رونالدو»، وظهر «بول ووكر» في بعض مشاهد الجزء السابع من خلال المزج بين لقطات سابقة ولقطات حديثة قام شقيقه بأدائها، وقام الكمبيوتر بإتمام باقي العملية. وفي فيلم «Gemini Man 2019» قام المخرج «أنج لي» بصنع نسخة رقمية شابة من «ويل سميث» عن طريق برامج التقاط الأداء، ورأينا مشاهد مواجهات عنيفة بين «ويل سميث» والنسخة الشابة منه. وظهر «آل باتشينو» و«روبرت دي نيرو» و«جو بيشي» في عمر الشباب في مشاهد الفلاش باك بفيلم المخرج مارتن سكورسيزي «The Irishman» الأيرلندي.
«ديزني» ومكتبة وجوه الممثلين
يستمتع الهواة بفكرة «التزييف العميق»؛ فيعملون على استبدال وجه «جاك نيكلسون» بوجه «جيم كاري» في لقطات من فيلم «The Shining البريق»، ويستبدلون وجه «ماكولي كالكن» بوجه «سلفستر ستالون» في لقطات من فيلم «Home Alone وحدي في المنزل». ولكن قسم الأبحاث في شركة «ديزني» يعكف منذ سنوات على تطوير تقنية تُسمى «مبادلة الحركة العصبية فائقة الجودة للوجوه»، وهي تقنية قراءة الحركة العصبية للممثل ونقلها إلى وجه ممثل آخر، وذلك بغرض إعادة تجسيد الممثلين الذين رحلوا على الشاشة بصورة مُتقنة. ومن بين خطط «ديزني» الطموحة الاحتفاظ بالحركة العصبية للممثلين الأحياء في مكتبة رقمية، لاستخدامها في أعمال مستقبلية بعد وفاتهم. وما تقوم به «ديزني» قد يكون ثورة في مجال السينما بعد سنوات، خاصة فيما يتعلق بالأعمال التي سيجسدها نجوم رحلوا فعلاً، أو نسخ شابة من نجوم اعتزلوا بسبب التقدم في العمر. وسيكون لطيفًا أن توجد تقنية يمكن أن تُعيد «مارلين مونرو» و«إسماعيل يس» و«جين كيلي» و«شارلي شابلن» وغيرهم للتمثيل مرة أخرى.
الجانب المظلم لتقنية «التزييف العميق»
أشار مسلسل بريطاني أنتجته BBC عام 2019 بعنوان «The Capture اللقطة» إلى مشكلة بدت غريبة عند عرضه، وهي اتهام شخص بجريمة قتل كانت أهم أدلة إدانته فيديوهات مسجلة لحظة وقوع الجريمة، والتي تم تفريغها من الكاميرات المُثبته بالقرب من مكان الجريمة. ورغم ذلك كان المتهم يؤكد أن الفيديو جرى التلاعب به، ولم يصدقه أحد؛ إذ كيف يُمكن التلاعب بفيديو مُسجل لحظيًا؟ ولكن أحداث المُسلسل تؤكد أن الأمر مُمكن، وأن الجريمة خلفها مؤامرة كبيرة، وتقنية رقمية حديثة تتيح التلاعب بما تُسجله الكاميرات على الهواء، وما زال الأمر يبدو خياليًا، ولكن لا أحد يُمكنه التنبؤ بما يحدث في الغد.
في نهاية شهر ديسمبر الماضي نشرت القناة الرابعة البريطانية فيديو مُفبرك بتقنية التزييف العميق للملكة «أليزابيث» تهنئ فيه البريطانيين بأعياد الكريسماس. ورغم أن الفيديو كان مُقنعًا جدًا، فإن قناة BBC انتقدته وحذَّرت من خطورة هذه التقنية، ومن إمكانية ترويج الأخبار المُزيفة.
والأمر المخيف بالفعل هو فكرة تراكم صور وفيديوهات مزيفة في فضاء الإنترنت خلال السنوات القادمة، وبعد عقود من الآن ستكون مُربكة كثيرًا للأجيال القادمة.
مسلسل يفبرك وجوه النجوم من دون مشاركتهم
أثار مسلسل استخدم تقنية التزييف العميق للسخرية من المشاهير جدلاً حول الآثار الأخلاقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الحياة اليومية.
وتقدِّم السلسلة الكوميدية «Deep Fake Neighbour Wars» التي انطلقت في 26 يناير الماضي على قناة ITVX، مجموعة من المشاهير، مثل: أديل وتوم هولاند وإدريس إلبا ونيكي ميناج وستورمزي، مستخدمة تقنية «التزييف العميق»، أي توظيف الذكاء الاصطناعي في فبركة الأقوال والأفعال وتركيبها على النجوم من دون مشاركتهم الفعلية.
وسبَّبت استخدامات هذه التقنية انقسامًا وجدلاً بسبب المخاوف الأخلاقية والقانونية التي تتعلق بتطبيقاتها في الحياة اليومية.
وحذَّرت نقابة «عدالة» لفناني الأداء من بطالة الفنانين لو استمرت تطورات التكنولوجيا في التأثير في العالم الحقيقي.
وأطلقت «عدالة» حملة عنوانها «أوقفوا الذكاء الاصطناعي عن سرقة العرض» مع استمرار تزايد الشكاوى من استخدام أصوات الممثلين ومظهرهم من دون موافقتهم. وحذَّرت أيضًا من عواقب «بائسة» ما لم يجرِ تحديث قانون حقوق النشر، مؤكدة أن أنظمة الذكاء الاصطناعي «تحلُّ الآن محل فناني الأداء المحترفين».