سوليوود «متابعات»
رغم أن زيادة الأجور كان هو المطلب الرئيسي المرفوع في الإضراب الأخير الذي نظمه الآلاف من الكتّاب الأميركيين في السينما والتلفزيون بداية الأسبوع الماضي؛ لكن هناك ما هو أكثر إلحاحًا ألا وهو هيمنة المنصات والذكاء الاصطناعي المتزايدة ما يهدد وجودهم بالأساس، إذ أنه قد يشكل لهم «أزمة وجودية».
كان السبب الرئيسي لإضراب كتاب السيناريو في هوليوود يتعلق بالرواتب؛ لكن نزاعهم مع الأستوديوهات ومنصات البث التدفقي تؤججه أيضًا فرضية يرون فيها إهانة لقدراتهم، هي فكرة إمكان حلول الذكاء الاصطناعي مكانهم قريبًا، بحسب ما ذكرت صحيفة العرب اللندنية.
هاجس الذكاء الاصطناعي لدى كتّاب السيناريو
وسادت عدة مخاوف من قدرة برامج من نوع «ChatGPT» على محاكاة المحادثة البشرية، في عدد من القطاعات في الآونة الأخيرة. ونبه البيت الأبيض هذا الأسبوع مسؤولي شركات التكنولوجيا الأميركية العملاقة إلى مسؤوليتهم «الأخلاقية» لحماية المستخدمين من المخاطر الاجتماعية المحتملة للذكاء الاصطناعي.
ويشكل الموضوع هاجسًا لدى كتّاب السيناريو الذين ينفذون إضرابًا في لوس أنجلس، وخصوصًا بعد فشل المفاوضات بين الأستوديوهات والمنصات الرئيسية ونقابة كتاب السيناريو الأميركيين «Writers Guild of America» التي تمثل 11500 من مؤلفي النصوص السينمائية والتلفزيونية. ورأى كاتب سيناريو فيلم «بيرد بوكس Bird Box» الذي حقق نجاحًا كبيرًا على «نتفليكس» إريك هيسرير، أن الفن لا يمكن أن يُصنع بواسطة آلة، وأوضح أن القصة تفقد بنظره «قلبها وروحها»، مذكرًا بأن الكلمة الثانية من عبارة «الذكاء الاصطناعي» هي «اصطناعي».
محاولات للحد من استخدام الذكاء الاصطناعي
وتؤكد نقابة كتّاب السيناريو الأميركيين أنها ضغطت خلال المفاوضات للحد من استخدام الذكاء الاصطناعي، وطالبت النقابة بعدم إعطاء أي إنتاج آلي صفتي مادة «أدبية» أو «مصدر»، وهي مصطلحات أساسية تتعلق بحقوق المؤلف. كذلك سعت إلى منع استخدام السيناريوهات التي يكتبها أعضاؤها في تدريب برامج الذكاء الاصطناعي.
ورفضت الأستوديوهات هذه المطالب، مقترحة عقد اجتماع سنوي لمناقشة التقدم التكنولوجي. وعلق هيسرير ساخرًا؛ حيث قال: «أنه من الجيد أنهم يعرضون عقد اجتماع في شأن الطريقة التي يستغلون بها الذكاء الاصطناعي ضدنا». وأسف كاتب السيناريو لكون «شركات التكنولوجيا تدمر السوق لكي تكتشف بنفسها» حدود القدرات الإبداعية للبرامج الآلية.
من بين كتاب السيناريو الأميركيين يعتقد عدد قليل جدًا منهم أن برامج الذكاء الاصطناعي يمكن أن تكون قادرة على القيام بعملهم؛ لكن مجرد اهتمام الأستوديوهات ومنصات البث باستكشاف هذه القدرات الآلية في هذا المجال يُشكل بالنسبة إليهم جميعًا إهانة كبرى. ويخشى هؤلاء أن يكون مسؤولو شركات الإنتاج مستعدين للتنازل من حيث النوعية الإبداعية سعيا إلى تعزيز ربحيتهم، بعدما غيرت ثقافة «نتفليكس» وسيليكون فالي المعادلات في هوليوود.
وشهد العقد الماضي تقلص فرق كتابة السيناريو، إذ باتت منصات البث التدفقي تفضل تقصير مواسم المسلسلات، في حين تلجأ الأستوديوهات الكبيرة على غرار «ديزني» إلى عمليات صرف لطمأنة وول ستريت.
وجاءت المداخلات خلال المؤتمر العالمي لمعهد «ميلكن» هذا الأسبوع في بيفرلي هيلز لتؤجج مخاوفهم. فالمنتج السينمائي تود ليبرمان قال خلال المؤتمر أنه في السنوات الثلاث المقبلة، ستشاهدون فيلمًا من تأليف الذكاء الاصطناعي، وسيكون فيلمًا جيدًا.
استخدام الذكاء الاصطناعي في توليف الأفلام
أما مدير شركة «فوكس إنترتينمنت» روب وايد، فكشف أن دور الذكاء الاصطناعي لن يقتصر على النصوص، بل يمكن استخدامه في «توليف» الأفلام وفي مخططات قصصها أو ما يعرف بـ«ستوري بورد». وتوقع أن يصبح الذكاء الاصطناعي في غضون عشر سنوات قادرًا تمامًا على تولي كل هذه المهام.
كلام المنتج يؤكده تصريح الصحافي السابق لبيورن شولر، وهو محلل وبروفيسور في ذكاء الآلات، الذي أوضح أن الروبوتات الآن رغم أنها لا تستطيع منافسة الإنسان في ما يتعلق بالإبداع، إلا أن الفجوة بين الآلات والبشر في هذا الصدد يتم جسرها بنحو متزايد، كما أن الآلة يمكنها يومًا ما أن تتعلم مهارات كتابة الروايات والنصوص الإبداعية الأخرى. وبين شولر أنه متأكد من حدوث ذلك بسبب أن الروبوتات شرعت بالفعل في اختراع النكات، والقليل من القصائد القصيرة.
الأمر ليس مجرد مخاوف وتنبؤات بل هو حقيقة يؤكدها موقف رائد تقنية الذكاء الاصطناعي جيفري هينتون، الذي أكد أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يشكل تهديدا للبشرية أكثر إلحاحًا مما يشكله التغير المناخي، وأعلن هينتون، المعروف على نطاق واسع بأنه أحد «عرابي الذكاء الاصطناعي»، مؤخرًا ترك شركة «ألفابت Alphabet» بعد عقد من العمل فيها، وهذا في خطوة رافضة للمآلات التي يتجه نحوها تغول الذكاء الاصطناعي.
مطالب بنص تشريعات لضمان حقوق المبدعين
من ناحيتها أكدت أستوديوهات الإنتاج أن نقابة الكتّاب لم تعترض على الذكاء الاصطناعي بقدر ما تدعي. ووفق بيان سابق، فإن النقابة شرحت خلال المفاوضات مع المنتجين أن كتّاب السيناريو لا يرغبون في حظر الذكاء الاصطناعي، وبينت أنهم يبدون سعداء باستخدامه ضمن عمليتهم الإبداعية ما دام لا يؤثر على رواتبهم، واعتبرت الأستوديوهات، وفقًا للبيان نفسه، أن هذه الفرضية تتطلب المزيد من النقاش.
الاستعانة بالكتاب لمعالجة نصوص الذكاء الاصطناعي السيئة
ورأت مؤلفة مسلسل «بريدجرتون» الناجح ليلى كوهان، أن الفائدة الوحيدة التي يُمكن أن تكون للذكاء الاصطناعي في هذا المجال هي استخدامه في مهام شاقة أو عشوائية، ومنها مثلًا اقتراح أسماء شخصيات؛ إلا أن كاتبة السيناريو البالغة 39 عامًا أعربت عن خشيتها من أن تلجأ الأستوديوهات إلى إعداد مسودات نصوص أولية «سيئة جدًا» بواسطة الذكاء الاصطناعي، ثم تستعين بكتاب سيناريو لإعادة صياغتها. ورأت أن معالجة هذه المشكلة الآن أمر جيد.
فالعبر من إضراب الكتّاب الأخير قبل 15 عامًا، لا تزال ماثلة في أذهان الجميع، إذ كانت «نتفليكس» لا تزال في بداياتها يومها، وتمكنت النقابة من الحصول على بدلات نظير حقوق المؤلف، باتت تعد الآن منخفضة جدًا.
وشدد كاتب أفلام الخيال العلمي بن ريبلي على ضرورة إصدار تشريعات اليوم توفر ضمانات في ما يتعلق بالذكاء الاصطناعي، حتى لو لم تكن له علاقة بالعملية الإبداعية. وذكر أن الكتاب يجب أن يكونوا مميزين، في حين أن «الذكاء الاصطناعي هو نقيض التميز».