عبده خال
خلال ليلتين ماتعتين انطلق ملتقى النقد السينمائي مستهدفًا فتح الأبواب على التجارب السينمائية في العالم.
وبهذا أرادت هيئة الأفلام التأكيد على أن للفنون روحانية في ذاتها، وأن تلك الروحانية ليس لها زمن محدد فرسالة الفنون رسالة سامية تنثر جمالها الروحي في كل زمان، وإذا أردنا فكفكة جملة (الروحانية في السينما) ما هي إلا رسالة مبطنة تشي بأن للسينما روح تسمو سواء في رمضان أو في غيره، وتأكيد هذا العنوان يحمل نقض فكرة ترسّخت في عقول الناس بأن السينما فعل يتنافى مع الروحانية، وهو العنوان الساعي إلى إبطال ما ران في القلوب والعقول، بأن السينما فعل (فاسق) ومن المعلوم أن أي أداة يتم استخدامها في إنارة البصيرة تكتسب (الحلية) لما لها من دور فعّال في رقي الإنسان، وتهذيب سلوكه وإبعاده عن رذائل النفس البشرية، عند هذا تكون الأداة المستخدمة هي أداة خيرة وراقية في آن.
مضت الليلتان في تنقل حضور الملتقى بين الحوارات، وبين مشاهدة الأفلام التي تم انتقاؤها انتقاء فنياً رائعًا يحقق هدف النوعية التي يمكن لصانع الفيلم، أو المشاهد اقتفاء عوالمها السينمائية الساحرة، وأن تكون مادة جيدة للحوار حول جمالية العمل السينمائي المؤثر.
وفي الليلة الأولى من الملتقى تم تقديم درس عن الالتزام في أروع صورة للفنان المؤمن بفنه، وما عليه فعله إزاء أدواره الفنية، ذلك الدرس قدمه الشهير الكاتب والمخرج والناقد الأميركي بول شريدر الذي أصرّ على المشاركة في الملتقى محاضراً ومجيباً على أسئلة الجمهور، بالرغم من مرضه، هذا الفنان الكبير تحامل على نفسه وظل يلقى محاضرته كرؤية للفن السينمائي من خلال تجربته كمخرج وكاتب سيناريو، وظل يجاهد تعبه، وفي اللحظات الأخيرة من إنهاء محاضرته، توقف فقد غلبه إنهاك المرض، وكان مقرراً أن يكون هناك لقاء حواري بينه وبين الجمهور، وفي لحظة توقفه وإسعافه كان الندم حاضرًا على وجوه من جاء لسماع خبرة سينمائية تخطت الخمسين عاماً من الجهد والإبداع الفني.
وأعتقد أن الشباب السينمائي الحاضر عليهم استيعاب درس الالتزام الفني المقدم من شخصية سينمائية عالمية قدم الشيء الكثير، إلا أنه ظل وفيًا لفنه ولم يتقاعس عن دوره الفني برغم مرضه وتقدمه في العمر.
ومن المفرح في تلك الليلتين تجمع مجموعة كبيرة من المنشغلين بعالم السينما، تواجدوا، وفي كل زاوية من زوايا الملتقى نشأت حوارات ولو أنها سلكت طريق الاهتمام والاقتناع بما دار من أفكار ورؤى فإنها سوف تولد أعمالاً ذات بصمة في الأعمال السينمائية المقدمة.
هما ليلتان سوف يتبعها أربعة (ملتقيات متخصصة تُقام في عدة مدن بالمملكة قبل تنظيم النسخة الأولى من مؤتمر النقد السينمائي في شهر نوفمبر المُقبل بالرياض).
فعلًا هذه الملتقيات سوف تكون فضاء شاسعاً للشغوفين بالعالم السينمائي.