سوليوود «خاص»
أحدثت الممثلة السعودية فاطمة البنوي، نقلة نوعية في طبيعة الأدوار التي تقدمها، عندما اختارت دور الأكشن في فيلم «الهامور ح.ع»، انتقالاً من الأدوار الرومانسية والاجتماعية التي اعتادت عليها خلال السنوات الماضية. وهو التحول الذي أثبتت خلاله قدرتها على تنويع الأدوار التي تقدِّمها للجمهور وعدم حصرها في إطار واحد؛ إذ شاركت في أعمال سعودية ومصرية ولبنانية وإماراتية، وعمل سعودي – إسباني، فضلاً عن تجولها في المحافل الدولية لعرض قصص من إنتاجها.
الفيلم يدور حول واحدة من أكبر قصص الاحتيال في بداية الألفية الثانية، عندما قام أحد رجال الأعمال بتشكيل شبكة من المحتالين لجمع الأموال من المساهمين وتوزيع أرباح خيالية وهمية؛ إذ أوقع أكثر من 40 ألف ضحية بمبالغ قيمتها مليار و400 مليون ريال سعودي. وهي القصة التي لقيت – بجانب الأداء التمثيل المميز – إشادات محلية ودولية، حيث تجسد من خلاله «فاطمة البنوي» شخصية «جيجي» الزوجة الثانية للبطل، والتي تستهدف الحصول على أمواله، وتتخلى عنه في النهاية.
ومع النجاح الذي حققه خلال الأسابيع الماضية، انتقل «الهامور ح.ع» إلى شاشات العرض المصري، ليكون بذلك الفيلم السعودي الأول الذي يُعرض تجاريًا بصالات السينما المصرية، بفضل الأداء المميز الذي قدمه أبطال العمل، وهم بجانب «فاطمة البنوي»، «فهد القحطاني»، و«خالد يسلم»، و«إسماعيل الحسن»، و«خيرية أبو لبن»، و«حسام الحارثي»، و«علي الشريف»؛ وهو من إخراج «عبدالإله القرشي»؛ وتأليف «هاني كعدور»، و«عمر باهبري».
تجربة المسرح
قبل ذلك، كان لـ«فاطمة البنوي»، حضور تمثيلي مميز، بدأ من خلال حبِّها للمسرح ومشاركاتها في أعمال مسرحية أثناء دراستها الجامعية، قبل أن تنتقل إلى الولايات المتحدة الأميركية وتعود إلى المملكة العربية السعودية بانفتاح أكبر على الأعمال الفنية، التي شاركت فيها وأبرزها فيلم «بركة يقابل بركة»، الذي كان ثاني فيلم سعودي يمثل المملكة في جوائز الأوسكار.
بيد أن طبيعة دراسة «البنوي» انعكست على أعمالها الفنية، خاصة عملها في المجال الإنساني من خلال شهادتها المختصة في علم النفس، إذ تخصصت في الدراسات اللاهوتية، وهي إحدى الدراسات التي تهتم بفهم الوجود والتعمق بالقدرات الإلهية؛ لذلك استطاعت دمج المجالين الإنساني والفني في إبداع موحَّد، من خلال مشروعها الذي لقي رواجًا كبيرًا بعنوان «قصة أخرى»، حيث شبَّكت من خلاله أغلب القضايا في المجتمع السعودي.
وكان عام 2010 بمثابة البداية الحقيقية لـ«فاطمة البنوي»، حين شاركت في تأسيس المسرح في جدة، والذي شهد عروضًا لبعض المسرحيات، قبل أن تصطحب شغفها بالمسرح إلى الولايات المتحدة، عندما انتقلت إلى جامعة هارفرد، حيث كانت لها بعض المشاركات المسرحية هناك أيضًا، ثم عادت إلى المملكة العربية السعودية في عام 2015.
«قصة أخرى».. المجالان الإنساني والفني في إبداع موحَّد
وفي العام نفسه طرحت «البنوي» مشروعها الجديد، وهو «قصة أخرى»، عرضت من خلاله قصص وتجارب واقعية من المجتمع السعودي، مثل السفر والخيارات المهنية الكثيرة، والعلاقات العاطفية، والوفاة، وظروف العائلة، من خلال إعادة صيغ هذه القصص بما يتناسب مع أدائها وإخراجها.
ثم في عام 2016 دخلت مجال التمثيل من أوسع أبوابه، عندما شاركت في الفيلم الكوميدي السعودي «بركة يقابل بركة» مع الفنان السعودي «هشام الفقيه»، وهو الفيلم الذي جرى ترشيحه في العام التالي لتمثيل السعودية بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي لعام 2017. كما عُرض للمرة الأولى في ألمانيا ودول أخرى، مصطحبًا ممثليه إلى العالمية.
الحضور التلفزيوني
لم ينقضِ عام 2017 حتى وضعت «البنوي» بصمتها في عمل درامي آخر، حين شاركت في بطولة المسلسل السعودي «بشر»، الذي تناول عدة قضايا اجتماعية تمسُّ المجتمع المحلي السعودي، من خلال حلقات وقصص منفصلة. وفي يونيو هذا العام تم اختيارها ضمن ثلاثين امرأة من صانعي المحتوى لتقدِّم إحدى شخصياتها المفضلة.
في تلك المرحلة بدأ نجم الفنانة السعودية يسطع بشكل أوضح، ففي أبريل 2018 عرضت لأول مرة مشروعها القصصي خارج الوطن العربي؛ إذ سافرت بالقصص والتجارب إلى باريس، وهو ما ساهم في اختيارها في أكتوبر من العام نفسه من مجلة تايم الأميركية ضمن قائمة «القادة الشباب» الساعين للتغيير. واصلت «فاطمة البنوي» التألق في ساحة الفن، فشاركت عام 2019 في الفيلم الدرامي السعودي «رولم»، الذي عُرض في إحدى دور العرض السينمائية بمدينة جدة.
وفي عام 2020، شاركت في ثلاثة مسلسلات: الأول «أم القلايد»، وهو من بطولة «مشعل المطيري» و«زارا البلوشي»، و«محمد القس»؛ ويجمع بين الجريمة والغموض والإثارة في قالب تشويقي. والثاني المسلسل اللبناني «الشك»، وهو من بطولة «قصي خولي»، و«سامر المصري»، و«رزان جمال»، و«نادية ملائكة»، و«عبدالله السدحان»؛ ويدور خلال فترة الحجر المنزلي بسبب فيروس كورونا، حيث تصطدم فتاة بقاتل مجهول عبر الإنترنت بعد دخولها غرفة محادثة عن طريق الخطأ ورؤيتها لجريمة قتل غامضة، لتصبح حياتها وحياة من تحب في خطر كبير. وثالث الأعمال خلال عام 2020 المسلسل المصري «ما وراء الطبيعة»، وهو من بطولة «أحمد أمين»، و«رزان جمال»، و«آية سماحة»، و«سماء إبراهيم»، و«رشدي الشامي»، و«ريم عبدالقادر»؛ ويدور حول الدكتور رفعت إسماعيل، أستاذ أمراض الدم في الجامعة، الذي يعيش في حقبة الستينيات من القرن الماضي، وسط عالم مليء بالقصص الخارقة للطبيعة، والأحداث الغامضة التي يخوضها بنفسه، وتعاونه زميلته الإسكتلندية ماجي في كافة مغامراته.
وفي عام 2021، شاركت بدور «سارة» في المسلسل المصري «60 دقيقة»، وهو من بطولة «محمود نصر»، و«ياسمين رئيس»، و«سوسن بدر»، و«شيرين رضا»، و«مها نصار»؛ إذ تقرر ياسمين الانتقام من زوجها أدهم الطبيب النفسي الشهير، بعدما تكتشف أنه تحرش واعتدى جنسيًا على أكثر من فتاة وامرأة، إحداهن أنهت حياتها بسببه بعد معاناة نفسية كبيرة، خاصة أنه كان الطبيب النفسي لها.
الانتقال للسينما
وفي عام 2022، شاركت في فيلمين: الأول الفيلم الإماراتي «سكة طويلة»، وهو من بطولة «براء عالم»، و«عبدالمحسن النمر»، و«راكان النغيمشي»، ويدور حول الفتاة مريم وشقيقها ناصر حين تقرر السفر من السعودية إلى أبوظبي عبر الطريق الصحراوي بعد فقدهما رحلة الطيران. وعلى الرغم من عدم الوفاق بينهما، يضطران إلى استكمال الرحلة حيث تفاجئهما سيارة غامضة تحاول إلحاق الأذى بهما. والثاني الفيلم السعودي الإسباني «أبطال»، بمشاركة «خالد الحربي»، و«ياسر السقاف»، و«خيرية نظمي»؛ إذ يتقبل «خالد» الشاب المغرور، بعد انفجاره غضبًا في مكان عام، مهمة تدريب فريق لكرة القدم، مكون من لاعبين يعانون من إعاقات ذهنية، وتتوالى بعدها الأحداث.
واختتمت أعمالها في عام 2023، بالفيلم السعودي الناجح «الهامور ح.ع»، بجانب «فهد القحطاني»، و«خالد يسلم»، و«إسماعيل الحسن»، و«خيرية أبو لبن»، و«حسام الحارثي»، و«علي الشريف»؛ ويحكي عن حارس أمن يتمكن من جمع ثروة ضخمة عن طريق النصب واتباع أساليب ملتوية، ويقنع البعض باستثمار أموالهم برفقته مع وعد بالحصول على ربح سريع، ولكن سرعان ما تنقلب الأحداث.
وبذلك تكون «فاطمة البنوي» قد شاركت في أعمال سينمائية ودرامية تخطت الإطار المحلي، إلى السوق المصرية واللبنانية والإماراتية، وحتى الإسبانية من خلال فيلم «أبطال»، تاركة بصمة مميزة في أدوار مختلفة بشخصياتها المتنوعة، بين الرومانسية والاجتماعية والأكشن.
جديد «فاطمة البنوي».. «بسمة» و«أحلام العصر»
بعد هذا المشوار، تستعد الفنانة السعودية لعرض تجربة سينمائية مغايرة، عبر أحدث أفلامها «بسمة» الذي كتبته وأخرجته، وتشارك في بطولته؛ معتبرة أن العمل بمثابة «خطوة مؤمنة بها لأنني بطبيعتي أحب التحدي، والاكتشافات الجديدة، وأعشق التنوع، وتبقى السينما فرصتنا لاكتشاف عوالم جديدة». في حين تستعد لتصوير فيلم «أحلام العصر» خلال أيام.
ورغم الانفتاح المتزايد على صناعة الأفلام في المملكة، تقول «البنوي» إن هناك تقصيرًا في تسويق الأفلام السعودية داخل المملكة، لافتة إلى أن الكوميديا من أصعب أنواع الكتابة، رغم أنها تميل للكوميديا السوداء، لأنها «تشبهها بشكل أكبر»، خاصة الكوميديا التي تنبع من الواقع.