أليكس باركر
شارك ريد هاستينجز، الذي استقال في وقت سابق هذا الشهر من منصب الرئيس التنفيذي لشركة نتفليكس، في تأسيس شركة أصبحت مثالا لثورة تكنولوجية في مجال الترفيه. لكن باعترافه، فإن الرجل البالغ من العمر 62 عاما، لا يعد نفسه مخترعا.
انخرط هاستينجز، عندما كان يدرس علوم الحاسوب في جامعة ستانفورد في الثمانينيات، في إعادة تصميم مكونات الحاسوب بطريقة جديدة، مع خطته الطموحة لتصميم “فأرة القدم” التي تحول دون ابتعاد اليدين عن لوحة المفاتيح. لكنه وصف المشروع بأسلوب لطيف بأنه كان “كارثة”.
لكن التجارب المبكرة التي خاضتها “نتفليكس” لم تكن أحسن حالا من ذلك. حيث جربت الشركة البالغة من العمر 25 عاما تحميل الأفلام عبر الإنترنت أول مرة في عام 2000 عندما كانت تبحث في البدائل عن إرسال الأقراص الرقمية متعددة الاستخدامات (دي في دي) المؤجرة بالبريد في ظروف حمراء. لكن النطاق العريض للاتصال بالإنترنت كان بطيئا جدا لدرجة أن تحميل الفيلم كان يستغرق أكثر من نصف يوم – وذلك يكبد المستخدم رسوم فاتورة إنترنت أعلى من تكلفة استئجار الفيلم.
بينما كان هاستيجز يعجبه مخترع “واحد من بين كل مليار” مثل إيلون ماسك، فقد رأى نفسه يلعب دورا مختلفا. قال لـ”فاينانشيال تايمز” في 2020: “بالنسبة لبقيتنا، كل ما في الأمر هو محاولاتنا لبناء نظام”.
فعل ذلك بقوة جلب التغيير الجذري، الذي لم يقض على مصير منافسته شركة بلوكباستر لتأجير الأفلام فحسب، بل غير في نهاية المطاف، النموذج الهوليوودي لصنع أفلام الفيديو الترفيهية وبيعها.
جون مالون، الملياردير الذي نجح في تحويل القنوات التلفزيونية إلى الكابل، قال ممازحا: إنه يجب على مساهمي نتفليكس أن يبنوا تمثالا لمؤسس الشركة، إذ قام هاستينجز بتعويم نتفليكس كسهم بدولار واحد في 2002 وحولها إلى شركة بقيمة 150 مليار دولار، يتم تداول السهم الواحد عند نحو 336 دولارا. فيما يمتلك هاستينجز نفسه اليوم حصة تزيد قيمتها على 1.6 مليار دولار.
قال مالون في تشرين الثاني (نوفمبر): “لقد استطاع جلب التغيير حقا بنجاحه. لقد كان من الأوائل (…) كثير من الناس ينظرون إلى نتفليكس الآن كخدمة أساسية للبرامج الترفيهية. وأنا أعزو ذلك إلى تنفيذه الممتاز فقط”.
بموجب الخطة التي تم الإعلان عنها هذا الأسبوع، سيستمر هاستينجز في منصبه رئيسا تنفيذيا، لكنه سيسلم العمليات اليومية إلى اثنين من الرؤساء التنفيذيين المشاركين – وهما تيد ساراندوس وجريج بيترز – اللذين عملا معه لمدة 25 عاما و15 عاما على التوالي. سيتوليان حينها مقاليد شركة حولت دورها من شركة مبتكرة إلى مسيطرة: فقد أصبحت نتفليكس الآن الخدمة الوحيدة والكبيرة المربحة في العالم للبث عبر الإنترنت، مع قاعدة مشتركين تبلغ 231 مليونا وميزانية سنوية مخصصة لصناعة المحتوى تقارب الـ17 مليار دولار.
يتمثل التحدي الذي يواجهه ساراندوس وبيترز فيما إذا كان نظام نتفليكس قادرا على مواكبة التغيير السريع الذي لا يزال يخترق أعمال الترفيه – وأنه يستطيع في الواقع تقديم عوائد تقترب من تلك التي حققها نموذج التلفزيون التقليدي عندما كان في أوجه.
قارن أحد المسؤولين التنفيذيين المنافسين في الإعلام تأثير هاستينجز في الصناعة بالقصة الخيالية “زمار هاملين” حيث جذب الشركات الإعلامية القديمة إلى نهايتها بالزوال بعد أن وضعت رهانا كبيرا على اشتراكات المستخدمين بخدماتها للبث عبر الإنترنت، ما تركها تتكبد خسائر بمليارات الدولارات. قال: “لا أحد منا يعرف ما إذا كانت هذه الشركة ستؤتي ثمارها أم لا”.
إن خليفتي هاستينجز اللذين وقع الاختيار عليهما، وهما بيترز، الذي يتحدث لغات عدة ولديه خبرة في التكنولوجيا، وساراندوس، الذي بنى الجانب الترفيهي للأعمال، واثقان من أن تحقيق الهوامش بنسبة 40 في المائة أو أكثر يعد أمرا ممكنا في نهاية المطاف مع نضوج البث عبر الإنترنت. فيما وصف ساراندوس أعمال نتفليكس بأنها لا تزال في “مهدها”، فهي تمثل 8 في المائة فقط من نسبة مشاهدة التلفاز في أمريكا.
لكن ثقة المستثمرين في نتفليكس ليست كما كانت عليه. حيث تضررت قيمة الأسهم في مجموعة البث عبر الإنترنت العام الماضي بعد أن توقفت الاشتراكات عن النمو وبقي سعر السهم عند 55 في المائة من ذروته في 2021.
إن خطة خلافة الشركة ستبقي على الثلاثي من الصفوة مسؤولين عن إدارة الشركة بشكل فعال، مع إعادة توزيع المهام فيما بينهم. كل من ساراندوس وبيترز لم يروا هاستينجز يستعير الأفكار من أجل تشكيل أعمال نتفليكس وحسب، لكنهما في الأغلب ما شاركا في تنفيذ تلك المشاريع بنفسيهما.
كان بيترز يدير القسم الرقمي عندما دخلت نتفليكس في خدمة البث عبر الإنترنت في نهاية المطاف في 2010، وذلك بعد خمسة أعوام كاملة من ظهور منصة يوتيوب بفضل ساراندوس، الذي انضم إلى نتفليكس في 2000 الذي أصبح الرئيس التنفيذي المشارك فيها منذ 2020، ثم قلدت نتفليكس قناة إتش بي أوه عمدا من خلال الانتقال من التوزيع إلى صناعة العروض الخاصة بها. وضع ساراندوس رهانا كبيرا على ذلك دون الحصول على موافقة صريحة من هاستينجز: عبر إنفاق 100 مليون دولار على مسلسل هاوس أوف كاردز، الذي يعد أول النجاحات التي حققتها نتفليكس.
لكن يبقى أن نرى الدور الذي سيواصل هاستينجز لعبه في الشركة، حيث شكل أسلوبه المتميز ثقافة الشركة في نتفليكس. وهو يتفاخر بوضوحه وصدقه، الأمر الذي تسبب في بعض الأحيان بإثارة قلق شركائه.
في مذكراته، يروي مارك راندولف، المؤسس المشارك لنتفليكس، كيف تفوق عليه هاستينجز كرئيس تنفيذي في 1999 من خلال الدعوة إلى عقد اجتماع، والجلوس على كرسي، ثم تقديم مجموعة من الشرائح حول عيوبه. حيث وصف راندولف هاستينجز بقوله: “كان يتابع حركة شفتيه، وهو ينظر إلى الشاشة كما لو كانت مجموعة من البطاقات (…) قائلا: أنا قلق بشأننا. في الواقع، أنا أشعر بالقلق عليك. حول حكمك”.
كان الحل الذي طرحه هاستينجز هو أن يصبح راندولف الرئيس التنفيذي المشارك. ترتيبات القيادة غير التقليدية نفسها التي شاركها هاستينجز مع ساراندوس، التي سيشاركها ساراندوس الآن مع بيترز.
بالنظر إلى تاريخهم الطويل في العمل معا، لم يبد بعض المحللين أي أهمية كبيرة للتحول في القيادة، حيث جادل تيم نولين من مجموعة ماكواري بأنه لم يكن تغييرا “ذا مغزى” نظرا إلى أن هاستينجز “لا يزال متربعا على القمة” كرئيس تنفيذي للشركة.
لكن داخل نتفليكس، يشير تغيير المسميات الوظيفية إلى تحول في المسؤوليات الذي كان جليا لبعض الوقت. إذ إن هاستينجز، الذي ينشر قليلا من الرعب بين الموظفين بعادته في تحويل الاجتماعات المكتبية إلى نزهات في المناطق الحضرية، يؤدي بالفعل عملا أقل من الماضي، حيث قام بتفويض معظم قرارات هوليوود إلى ساراندوس، وفقا لأشخاص مطلعين على الأمر.
قد يسمح هذا لخليفتيه بالمخاطرة أكثر في تنويع الأعمال. كما اعتاد هاستينجز على إخبار زملائه بأن “الاستراتيجية مؤلمة” حيث أوضح سبب أهمية أن تظهر نتفليكس الانضباط ومقاومة الانحراف عن نموذجها الأساس المتمثل في الاشتراك بخدمة بث الفيديو عبر الإنترنت.
