محمد فاروق
أقلقني كثيرا قراءة خبر تجهيز أول إنسان آلي ليقوم بعمل المحامي في الدفاع عن المتهمين رغم انجذاب الكثيرون للبشري السعيدة وانبهارهم بالمستقبل الذي أصبح من الواضح اعتماده بشكل كبير علي تقنيات الذكاء الإصطناعي واختفاء الاحتمالات والأخطاء البشرية المعتادة، لكني في نفس الوقت لا أستطيع منع نفسي من التفكير في كل ما شاهدته من أفلام سينمائية توكد لي أننا قاب قوسين أو أدني من خوض حروب عنيفة ضد هيمنة الذكاء الإصطناعي علي حياتنا كبشر وهو ما دفعني للبحث والتحليل في هذا الأمر.
لكن لنبدأ بالأخبار السعيدة أولا .. ففي عام 1959، تم استخدام الذكاء الاصطناعي من خلال مجموعة من الخوارزميات المبهرة لحل مشكلة صدي الصوت الذي كان يصاحب المكالمات الهاتفية بين الأماكن البعيدة، وقد لعبت تلك الخوارزميات دورا مهما في إصلاح الأمر من خلال معرفة متى تكون الإشارة القادمة مطابقة للإشارة الصادرة، ومن ثم مسحها الكترونياً.. قطعا الحل كان الحل في غاية الذكاء، وفتح الباب أمام الاختراعات الخوارزمية لتتدخل بشكل مخيف في حياتنا.. طبعا وخصوصا أنها سوف تتمكن من إنهاء العمل المطلوب إنجازه قبل أن يتناول صاحب العمل إفطاره كما أنها لا تحتاج إلى استراحة قهوة، أو راتب تقاعدي، أو حتى النوم.
لكن في الأفلام السينمائية الموضوع ليس بهذه السهولة ولكي نستوعب الفارق بين الحقيقة والخيال لابد أن نعود لعام ١٩٧٣ ونتابع فيلم ”Westworld“ الذي يناقش قصة المستقبل حيث يتم إنشاء حدائق معدة للأغنياء ليقوموا بها بمغامرات أحلامهم، ويساعدهم روبوتات صممت خصيصا لتقوم بذلك، وفي إحدى المرات يختار بعض الأثرياء روبوت ليصاحبهم في مغامرة بالغرب الأمريكي، ولكن سرعان ما يتعطل نظام التحكم الخاص بهذا الروبوت ليجد الأثرياء أنفسهم في مواجهة قاتل من نوع خاص لا يعرف الرحمة.. الفيلم من إخراج مايكل كرايتون وبطولة يول براينر، ريتشارد بنيامين، جيمس برولين، ألان أوبنهايمر.
ويعتبر من أوائل الأفلام التي اشارت بأصابع الاتهام للرجال الآليين الذين سوف يهددون البشر ثم جاء النجم هاريسون فورد في عام ١٩٨٢ ليقدم فيلمه Blade Runner وهو فيلم اكشن خيالي يعد من اقوى افلام الروبوتات، وتبدأ أحداثه عندما يتمكن البشر من تطوير تقنيات تمكنهم من تطوير روبوتات حيوية تشبه البشر بشكل كبير، وتعمل هذه الروبوتات في الفضاء في مستعمرات خاصة بالبشر، ويطلق عليهم اسم ريبليكيت.. ولكن في أحد الأيام تقوم ٤ ريبليكيت باختطاف مركبة فضائية، وقرروا الاتجاه بها نحو الأرض، لذلك يتم تكليف ضابط متخصص في مكافحة الريبليكيت بمهمة مطاردتهم وهي تقريبا نفس المهمة التي حدثت في فيلم Short Circuit الصادر في عام ١٩٨٦ وتدور أحداثه حول تمكن الجيش الأمريكي من تطوير ٥ روبوتات سرية ومسلحة بأحدث الأسلحة، وفي إحدى المرات يصيب البرق أحدهم فيتعطل نظام التحكم الخاص به، ويصبح ذكي جدا، ويخرج من القاعدة الخاصة به، ويرفض تسليم نفسه وسط محاولات للسيطرة عليه أو تدميره.. وبعدها بعام واحد قرر صناع السينما بهوليود اكتساب بعض التعاطف للإنسان الآلي ولهذا قرروا إصدار فيلم RoboCop عام ٨٧.
حيث تتحدث قصته عن معاناة مدينة ميتشجان بولاية ديترويت من ارتفاع معدل الجريمة وعمليات السطو والسرقة، وفي أحد الأيام يتم قتل ضابط شرطة يدعى ”روبوكوب“ بوحشية، ولكن الباحثين قاموا بتحويل جسده إلى روبوت.. ورغم تحكم المسئولين في أوامر الضابط الآلي إلا أنه في مرحلة ما يخرج عن سيطرتهم ويقرر البحث عن قاتله بوحشية تؤكد علي مخاوف البشر من خروج الآليين عن السيطرة.
أما في بداية التسعينات فقد تم الاستقرار علي بداية سلسلة Terminator حيث ترسل شركة سكاي نت التي تسيطر على العالم روبوتا متطورا يحمل اسم T-1000، ويمتلك قدرات غير عادية تمكنه من تغيير مظهره إلى الماضي، وذلك لتنفيذ مهمة اغتيال طفل قبل أن يكبر ويصبح زعيم المقاومة في المستقبل، ولكن تتطور الأحداث عندما تعرف والدة الطفل بهذا المخطط وقطعا هذا الروبوت هو ارنولد شوارزنيجر نجم الأكشن الأمريكي.
وفي عام ٢٠٠١ تبدأ ملحمة السينما مع الذكاء الإصطناعي بفيلم Artificial Intelligence وهو ضمن قائمة افضل افلام روبوتات حيث تبدأ أحداثه عندما تتمكن إحدى الشركات من تطوير إنسانا آليا يتمتع بمشاعر وذكاء مثل البشر، ويتشكل هذا الروبوت في شكل طفل اسمه ديفيد، وتتبناه أسرة من زوج وزوجه ابنهما مريض جدا، ويعيش وسطهما في سعادة، وتنشأ روابط قوية بينه وبين والدته بالتبني.
ولكن سرعان ما تتعقد الأحداث بعد شفاء ابن الأسرة البشري، حيث تتخلى الأسرة عن ديفيد، ويشعر بالصدمة نتيجة لذلك، فينطلق في رحلة من أجل تحويل نفسه إلى بشري لكي يرجع لهذه الأسرة مرة أخرى.. وقطعا عندما تبحث عن هذه المشاعر سوف تكتشف أن وراءها مخرج كبير اسمه ستيفن سبيلبرج الذي كان سباقا في مداعبة عواطف البشر بأحاسيس الذكاء الإصطناعي.. وهي نفس المشاعر تقريبا التي حاولت المخرجة سارة سميث إعادتها في فيلمها ”رون المعطل“ الصادر عام ٢٠٢١ وتدور أحداثه حول طالب خجول ”بارني“، يحصل في أحد الأيام على روبوت جديد ”رون“، وتنشأ صداقة قوية جدا بينهما، ولكن سرعان ما يكتشف بارني أن رون يعاني من بعض الأخطاء التقنية، لذلك ينطلق الثنائي برفقة بعضهما البعض في مغامرة سيكتشفان خلالها المعنى الحقيقي للصداقة.
لم ينته الأمر عند هذا الحد بل تطورت الأفكار والخيالات لتؤكد أن ”إيريكا“ ستكون أول روبوت ذكاء اصطناعي يجسد دور البطولة في فيلم خيال علمي جديد تبلغ ميزانية إنتاجه 70 مليون دولار أمريكي سوف يحمل اسم ”b.“
وستدور أحداث فيلم ”b.“ حول عالمًا يكتشف الأخطار والكوارث الناجمة عن برنامج متطور لإحداث طفرات في الحمض النووي للبشر الذي ستم حقنه داخل هيكل بطلة الفيلم التي تجسدها روبوت الذكاء الاصطناعي إيريكا.
وبالحديث عن قصة صناعة إيريكا بطلة الفيلم وشخصيته الرئيسية فإن عملية الإنتاج جاءت كثمرة تعاون مشترك بين فريق من الخبراء المتخصصين في تقنية الذكاء الاصطناعي ضم علماء من جامعتي أوساكا وكيوتو اليابانيتين الذين أكدوا أن ”ايريكا“ سوف تفتح الباب أمام مشاهدة الجمهور لنجوم سينمائيين غير بشريين لأول مرة في التاريخ.
الآن من حقك أن تسأل كل ما دار في عقلك إذا تذكرت كل هذه الأفلام.. إسأل عن ماذا لو فقدنا السيطرة على الآلات؟ وماذا لو شعرت بالعاطفة ؟ وما هو مصير البشرية إذا تحققت نبوءة السينما وتحكمت بنا الآلات ؟
واعتقد أننا لسنا وحدنا الذين نسأل مثل هذه الأسئلة أو تدور في روسنا مثل هذه المخاوف فمع زيادة الاهتمام باستعمال الذكاء الاصطناعي لمصلحة العامة، يساور القلق العديد من الخبراء في هذا المجال.. فقد فرض الاتحاد الأوروبي هذا العام تشريعات جديدة تعطي الأفراد الحق في الحصول على تفسير للمنطق الكامن وراء قرارات أجهزة الذكاء الاصطناعي كما تعكف الذراع البحثية للجيش الأمريكي، وهي وكالة مشاريع البحث الدفاعية المتقدمة (داربا) على استثمار 70 مليون دولار في برنامج جديد لتفسير وشرح قرارات أجهزة الذكاء الاصطناعي خصوصا وأن هناك قلق متزايد من أن بعض الخوارزميات ربما تخفي انحيازات غير مقصودة، مثل العنصرية، والتمييز على أساس الجنس. فعلى سبيل المثال، في الآونة الأخيرة كلفت برمجية من البرمجيات بتقديم المشورة حول ما إذا كان من المرجح أن يعيد المجرم المدان الكرة في ممارسة الجريمة، فكانت النتيجة أن المشورة جاءت مضاعفة في قسوتها بخصوص ذوي البشرة السمراء!
كما أن هناك تمييز آخر في أحد الأمثلة الصارخة تم اكتشافه في خدمة “جوجل” للترجمة، فكما أشار أحد العلماء في مجلة ميديام العام الماضي، إذا أردت ترجمة “هو ممرض. هي طبيبة” من الإنجليزية إلى اللغة المجرية، ثم أعدت ترجمتها إلى الإنجليزية ستكون النتيجة التي تعطيها الخوارزمية: “هي ممرضة. هو طبيب“ وهو ما يؤكد إنحياز للرجل دون أي تفسير يذكر لتبرير ذلك.