أحمد العياد
لم يكن فيلم “سطار” بحاجة إلا لأسبوع واحد ليتصدر شباك التذاكر السعودي بإيرادات تجاوزت 3 ملايين ريال متفوقًا على فيلم “آفاتار” الذي تصدر الإيرادات في السعودية في الأسابيع الماضية؛ ليكون أعلى الأفلام إيرادًا، وهو أمر جاء متسقًا مع التوقعات والترقب الكبير الذي حصل عليه الفيلم عند عرضه للمرة الأولى في السعودية ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدورة الثانية.
الفيلم يقوم ببطولته كلٌّ من: إبراهيم حجاج، وعبدالعزيز الشهري، وإبراهيم الخير الله وشهد القفاري، ومن تأليف ورشة كتابة بقيادة إبراهيم الخير الله، وشاركه فيها أيمن وتار، ومن إخراج عبدالله العراك، وهو أولى إنتاجات أفلام الشميسي إحدى أذرع “تلفاز11” ولكن مخصصة فقط للأعمال التجارية.
لدى “تلفاز11” تاريخ وإرث وجماهيرية من 2011 عبر برامجها المختلفة على “يوتيوب”، والتي حققت نجاحًا كبيرًا، وهو ما يبقيها في ذاكرة المشاهد. ومن ثم، فإن النجاح الكبير الذي حققه الفيلم لم يكن سوى امتداد للنجاحات التي حققتها “تلفاز 11″ ونقلتها من الـ”يوتيوب” ببرامجها المختلفة (لا يكثر – التمساح – الخلاط) وغيرها إلى شاشة السينما عبر “سطار”.
لكن هذا الأمر لم يكن ما يستند إليه صناع الفيلم فقط؛ فرغم الإرث الجماهيري عبر المنصات الإلكترونية، فإن هناك جمهورًا لم يسمع بأعمالها أو يشاهدها. ومن ثم، جاء الرهان على تقديم قصة بسيطة في عمل سينمائي يقدم بشكل ترفيهي كأحد أهم الأدوار التي تؤديها السينما لنكون أمام تجربة ممتعة سينمائيًا.
جاذبية القصة
لم تأتِ التوقعات من فراغ، ولكنها نتيجة لإعجاب من شاهدوا الفيلم بأحداثه وبالطريقة التي قدم بها قصته. يحكي “سطار” عن سعد الذي يحلم منذ طفولته بأن يكون مصارعًا ويدخل عالم المحترفين، وبالمصادفة تكون هناك اختبارات أداء مصارعين في الرياض، وبالفعل يذهب ليختبر نفسه في هذا الأداء. من هنا بدأت حكاية الفيلم وأحداث القصة، وبمجرد أن تعرف أن هذا المصارع هو الممثل إبراهيم الحجاج تعرف أن القصة في طريقها لتكون ساخرة وساخرة جدًا.
صحيح أن قصة النجاح والصعود والإحباطات مكررة في السينما، لكن الطريقة التي قدمت بها في “سطار” كانت متميزة، فخلال الأحداث نشاهد المصارع “إبراهيم حجاج” الذي يفشل في البداية ويتعرض للتنمر، وبعد ذلك يجد المدرب “عبدالعزيز الشهري” الذي يحاول رسم طريق النجاح له، ونشاهد العديد من المواقف والمفارقات الكوميدية والمواقف الصعبة التي يتعرض لها خلال لقاءاته مع المصارعين بجانب مشاهد الأكشن التي أضفت أجواء شيقة بالأحداث.
معادلة الفيلم الجماهيري
ينظر إلى نجاح “سطار” باهتمام شديد في الأوساط السينمائية السعودية، فالبعض يرى أن الفيلم حقق أخيرًا الخلطة السينمائية المناسبة والواضحة للجمهور السعودي؛ خلطة حاولت تجارب عديدة سابقة أن تنجزها، لكن “سطار” حققها بنجاح كبير على مختلف المستويات. غير أن حديث البعض عن هذا النجاح وسهولته، وكأن الموضوع لا يحتاج سوى تسويق جيد وفيلم كوميدي لتحقيق النجاح وجذب الجمهور؛ يدفعنا لطرح سؤال: هل هذه هي معايير النجاح فقط؟
منذ عودة افتتاح الصالات السينمائية في المملكة طرحت العديد من الأفلام السعودية، وفي العام الماضي فقط طرح 8 أفلام سعودية طويلة فشلت جميعها في جذب الجمهور، ولم تستمر أكثر من أسبوع في الصالات، وكان من بينها أفلام كوميدية، وبعضها تم تسويقه بشكل جيد للغاية، والبعض الآخر استعان بمشاهير السوشيال ميديا، ومع ذلك لم تحقق النجاح الجماهيري المنتظر منها في شباك التذاكر.
وبالتالي، فإن الإجابة عن التساؤل تؤكد – بما لا يدع مجالاً للشك – أن الأمر ليس مرتبطًا بالكوميديا والتسويق. ولكن ما حدث في “سطار” أن صنُّاعه اهتموا بالعديد من التفاصيل بداية من القصة الجذابة للجمهور حول لعبة “المصارعة”، ووجود ورشة للكتابة استعان فيه “الخير الله” بالكاتب المصري أيمن الوتار صاحب الخبرة الطويلة في كتابة الأعمال الكوميدية، مرورًا باختيار المخرج عبدالله العراك الذي – وإن كان يقدم تجربته الأولى سينمائيًا – فهو يتمتع بحسٍّ كوميدي عالٍ، ومعتاد على هذه النوعية من الأعمال الكوميدية العديدة التي قدمها، وصولاً إلى الاستعانة باثنين من أكثر الفنانين الشباب جماهيرية وكوميدية “الحجاج” و”الشهري”، واختيارهم لأدوار مناسبة لهم. ولا يمكن إغفال التعامل بذكاء بوضع الأغاني والشيلات في مكانها الصحيح بالفيلم، وحتى اختيار مشاهير السوشل ميديا واستغلال جماهيريتهم، جرى توظيفه بشكل جيد بالأحداث عبر اختيار “شهد القفاري” و”أبو ربيعة” في أدوار مناسبة لهم ولم تكن مقحمة في الأحداث.
نقطة أخيرة مهمة تستحق الثناء بجانب أداء “الخير الله” المميز جدًا في الفيلم، وهي أنه برغم أنه مؤلف ومنتج الفيلم لم يحاول مزاحمة الأبطال في مساحات الدور، وكان دوره أصغر من الأبطال بشكل واضح؛ وهو ما يدل على وعي فني ومسؤولية سينمائية.
في النهاية يبقى نجاح “سطار” وهذه الإيرادات العالية في صالح صناعة السينما بالسعودية، وما زال السوق ينتظر مزيدًا ومزيدًا من القصص والحكايا المختلفة والمتنوعة الجاذبة للجمهور السعودي المحب السينما والمتعطش لمشاهدة أعمال ناجحة تعبر عنه في الصالات.