هيثم الزبيدي
في النسخة الثانية من فيلم “تيرمينيتور – الفاني: يوم الحساب”، تمكن المخرج جيمس كاميرون من تقديم فكرة بصرية مختلفة تماما عن النسخة الأولى. المسافة الزمنية بين النسخة الأولى (1984) والنسخة الثانية (1991) كانت سبعة أعوام، لكنها أعوام مهمة شهدت دخول تقنيات المؤثرات الرقمية إلى عالم السينما بشكل غير مسبوق. الشخصية في النسخة الأولى كانت شيئا ميكانيكيا مكسوّا بجلد البشر. الشخصية الثانية المواكبة لعودة الشخصية الأولى كانت شيئا أشبه بزئبق مائع يتشكل. التأثير البصري كان مذهلا. في العادة تكون الأفلام المسلسلة مثيرة للإحباط لأنك تعرف مقدما ما ستراه. كاميرون عمل شيئا مختلفا ونجح فيه.
قبل أكثر من عشرة أعوام التقيت جيمس كاميرون في أبوظبي على دعوة عشاء. كان فيلم “أفاتار” قد حقق نجاحات قياسية في كل شيء. وكان كاميرون يقلّب فكرة النسخة الثانية من الفيلم؛ فإمّا حكاية في عالم الغابات والماء أو حكاية ثانية يكون فيها الأبطال جزءا من بيئة صحراوية. جماليات الربع الخالي من الحافة الإماراتية كانت مغرية للمخرج العبقري. تحدث معنا بإسهاب عن صعوبة تحويل تلك الكثبان الرملية الأخّاذة إلى صورة لعالم العمالقة الزرق الذين رسموا حكاية “أفاتار”. ويبدو أنه قرر تقديم فكرة الماء والغابات للجزء الثاني من الفيلم، وها نحن نرى عداد مئات الملايين يشتغل في عائدات “أفاتار: طريق المياه”. أنا متلهف إلى مشاهدة الفيلم الجديد لأني أنتظر أن يكرر كاميرون ما حدث مع تيرمينيتور، أي تقديم فيلم بمعالم بصرية بعيدة عن التكرار، مهما كانت حكاية الفيلم.
لكن يجب أن أقر بأني متخوف بعض الشيء. لقد تغيرت طريقة تقبلنا للمؤثرات البصرية. كنت مواكبا لأفلام الخيال العلمي دائما. ما زلت أنبهر بمشاهد فيلم “حرب النجوم” الأولى التي تعود إلى السبعينات. ولكن السنوات العشر الأخيرة عودتنا على ذائقة بصرية مختلفة. ليس لأن الإبهار قد توقف أو انحسر، ولكن ما عاد موعدك معه مقتصرا على مرة أو مرتين في العام عندما ينزل فيلم جديد للسينمات. الموعد صار شبه يومي بحكم البث التدفقي عالي الجودة والشاشات المنزلية ذات الدقة العالية، والأهم من كل هذا حجم وتعدد الإنتاج الدرامي واختفاء المسافة الفاصلة بين الدراما السينمائية ونظيرتها التلفزيونية. لدي إحساس بأني متشبع دراميا وبصريا، ولهذا أجد نفسي أبحث عن مسلسلات وأفلام مختلفة كلما أمسكت الريموت كونترول أمام التلفزيون وقلّبت بين ما هو متاح.
التشبع مشكلة. لم يصل عندي إلى حد التخمة بالتأكيد لأني ما زلت أبحث عن الجديد في الإنتاج الدرامي وأتابعه. لكن التشبع من الممكن أن يبدّد الشغف. الأذكياء مثل جيمس كاميرون يعرفون هذا جيدا، ولذلك لديهم القدرة على ابتداع ما يجعل المتلقي حريصا على متابعة جديدهم. آخر ما يفكر فيه هو أن يسمع ناقدا يقول إن “أفاتار2” ممل. الأذكياء لا يعيدون إنتاج شغف الآخرين بما يقدمون ويكتبون ويقولون، بل لديهم القدرة على الابتكار. الملل من أعراض التشبع. عبقرية الابتكار ماكنة تحريك الشغف.
المصدر: العرب