سوليوود «متابعات»
ما زال غزو الفضاء يتم باتجاهين: نحن نغزو ونتلقف مخاطر عديدة غير محسوبة، ومخلوقات الفضاء تغزونا. بعضنا يعتبر أن الفضاء صالح لأن يُستعمر بينما نتعرّض في بعض أفلام الخيال العلمي لاستعمار تلك المخلوقات.
في الحالة الأولى بات متكرراً، عبر السنوات الأخيرة، أنه من الأفضل البقاء على سطح الأرض، لأن الخروج إلى الفضاء مغامرة غير محمودة العواقب. في الثانية يبرز العامل البشري غير القابل للهزيمة، فهو سيدافع عن الأرض بكل ما لديه من قوّة. سينقذ الأرض ومن عليها.
أب وابنه بعد دمار الأرض في «ناجون أخيرون»
مزيج
في عام 2022 شاهدنا كل شيء في هذا المضمار. في أفلام «الكوميكس» المأخوذة عن تلك الحكايات الشعبية المصوّرة تم إنقاذ الأرض في «دكتور سترانج في عوالم الجنون المتعددة» Doctor Strange in the Multiverse of Madness لسام ريمي وفي «ثور: حب ورعد» Thor: Love and Thunder لتايكا واتيتي.
وفي العام ذاته تم مزج الخيال العلمي بالرعب والرعب بأفلام «الكوميس»، وهذه بأفلام الرسوم المتحركة. هذا شكّل زخماً كبيراً من الأعمال السينمائية التي تستدعي التفريق لأجل توحيد بؤرة هذا الاستعراض.
سينما الخيال العلمي هي تلك التي تستخدم العلم وأدواته في حكاية خيالية بنسب متعددة يجمعها ذلك الحقل الذي يتحدّث عن أمور غريبة، سواء وقعت أحداثها على الأرض أو في الفضاء.
أفلام السوبر هيرو ليست بالضرورة خيالاً علمياً، لأن العلم فيها ممحي بفضل الفانتازيا الجانحة التي تجعل الشخصيات تطير في الفضاء أو توقف عن بعد قوّة معادية أو توقد ناراً بمجرد النظر إليها. هذه خوارق فانتازية لم نشاهد منها الكثير هذا العام لكن هناك العديد مما تعدّه هوليوود في هذا الشأن معظمها حلقات جديدة من أفلام سابقة مثل «ستار وورز» و«سبايدر – مان» و«سوبرمان».. إلخ.
بعض الرعب يُستخدم في أفلام الخيال العلمي لرفع التوتر الحاصل، لكن التفريق واجب بين أفلام الرعب الخالصة، وتلك الممتزجة بأنواع أخرى. ثم يأتي، خلال ذلك، الانتشار السريع لأفلام الرسوم المتحركة التي تحتوي على كل هذه المسائل بدرجات متفاوتة، فهي تستخدم الخيال العلمي وتغير على السوبر هيرو والفانتازيا في نَفَس واحد.
اخفض صوتك
واحد من هذه الأفلام المدمجة خرج من معطف المخرج أنغوس ماكلين بطولة كريس إيفانز وكيكي بالمر وتايكا واتيتي تحت عنوان «لايتيير»، حيث ينطلق عدد من الشخصيات الكرتونية (معظمها ورد في أفلام Toy Story السابقة) في مغامرة صوب الفضاء. تلتصق حكاية الفيلم بنوع الخيال العلمي جيداً، وهو مثال على ذلك التداخل بين الاثنين الذي تكرر مرّات خلال السنوات الأخيرة.
على صعيد السينما الحية، هناك فيلمان من الخيال العلمي أشاعا قيمة فنية ودرامية مهمّة. فيلم درو مالريا «ناجون أخيرون» (Last Survivors) الذي يروي حكاية أب وابنه الشاب يعيشان بعيداً عن المدن في فترة ما بعد القيامة (فترة كَثُر الحديث عنها في السينما مثيرة كل حالات الإمعان والقلق من مستقبل غير آمن). كلاهما عازفان عن العودة إلى بقايا المدنية لولا أن الابن يقع في حب فتاة شابة تعمل في صيدلية.
الفيلم الثاني هو Nope لغوردان بيل، الذي يقص حكاية تقع في الزمن الحاضر حول صاحب مزرعة جياد (دانيال كاليويا) وشقيقته (كيكي بالمر) يواجهان نوعاً غير مسبوق من المركبات المعادية. وراء السحب يختفي مركب (أشبه بصحن طائر) يُغير على البشر والجياد تبعاً لما يصدر عنها من أصوات. كثير من الأحداث هنا تأملي، والمخرج يقدم هنا على ما فعله في فيلمه السابق Get Out (من نوع الرعب) وهو كتابة نص ينتمي إلى النوع (The Genre) لكنه يحتوي على مضامين حول المجتمع والمواقف العنصرية، ولو أنها هنا معتدلة أكثر مما كانت عليه في الفيلم السابق.
الهند شارك هذا العام في سينما الخيال العلمي عبر فيلم عنوانه Looop Lapeta قام بتحقيقه أكاش باتيا وببطولته تابسي بانو وطاهر راج باسين.
فتاة تجد في الحافلة حقيبة فيها مبلغ كبير من المال المسروق وتريد تسليمه لرئيس عصابة انقاذاً لمن تحب. المشكلة هي أنها تدخل في متاهات زمنية تجعلها تدور حول نفسها بلا تقدّم. شيء من وقوع الحدث نفسه في كل يوم. الفكرة قريبة من الفيلم الألماني Run Lola Run لتوم تايكفر (1998).
من خارج الولايات المتحدة أيضاً (ولو أن جزءاً من تمويله أميركي) يأتي فيلم من رواندا عنوانه «جليد نبتون» (Neptune Frost) لأنيسيا أوزيمان يدور في المستقبل ويعني بمستقبل أفريقيا في عالم ما زال يحلم باستعمارها والسيطرة عليها. هناك، في الفيلم، محاولة لقوى معادية استخدام التكنولوجيا الحديثة لهذا الغرض وفي مواجهتها استخدام مناوئ من قِبل الأفريقيين لصد الهجوم. ما يجعل الفيلم مختلفاً هو ميوله الشعرية والتعبيرية الحانية مستخدماً عدداً من المقطوعات الاستعراضية. هو بذلك فيلم «ميوزيكال» في الوقت ذاته.
ميشيل يوه في «كل شيء… كل مكان… كل الوقت»
حالات مريبة
أحد أمثلة هبوط المخلوقات المخيفة الآتية من الفضاء الشاسع على الأرض هو «فريسة» (Prey) لدان تراكتنبيرغ. فيلم جيد بحدود حول فتاة (أمبر ميدثندر) من قبيلة كومانشي تشهد هبوط ذلك المفترس الغامض، الذي يعيش بأشكال هلامية مختلفة ويقتل بلا رحمة. لا تجد الفتاة من يصدّقها من رجال قبيلتها لكن هؤلاء (في النصف الثاني من الفيلم) يدركون صدقها ويحاولون مواجهة المخلوق المتوحّش بأي ثمن.
الفيلم هو عودة لسلسلة Predator التي كان أرنولد شوارتزنيغر قام ببطولة أولها سنة 1989 من إخراج الجيد جون مكتيرنن. المخلوق ذاته في حكاية تسبق تلك الأولى بسنوات. أداء ميدثندر رائع في حضوره البدني واستقطابها لعواطف المشاهدين.
إذا ما تمتع نوع الخيال العلمي، كما سبق من شواهد هنا، بشيء فهو في غرابة وثراء أفكاره وهذا حال الفيلمين التاليين.
في «لا تقلق يا حبيبي» (Don›t Worry، Darling) للمخرجة الآتية من التمثيل أوليفيا وايلد حكاية في الأساس مشوّقة حول زوجين سعيدين يعيشان داخل مجتمع مغلق تابع لمؤسسة علمية يعمل الزوج لها، وتتيح لهما حياة رغدة ومستقرة… لكن هذا يتغيّر عندما تكتشف الزوجة أن تخصص المؤسسة هو الهيمنة على مستقبل الإنسان وخلق هجين مخيف بديلاً عنه.
الفيلم الثاني هو «كل شيء كل مكان كل الوقت» (Everything Everywhere All At Onve) للمخرجين دانيال كوان ودانيال شينرت. الممثلة الآسيوية – الأميركية ميشيل يوه تقود البطولة في هذا الفيلم الجيد (أفضل من سابقه) لاعبة دور صاحبة مغسلة تكتشف أن العالم مهدد بالفناء في كل مكان وفي وقت واحد. ستعتمد المرأة على كل ما أوتيت به من مدارك ورؤى لكي تكشف حقيقة ما يدور قبل فوات الأوان.
تزداد الأفكار غرابة عندما يطالعنا «قصر الفريز» (Strawberry Mansion) لألبرت بيرني وكنتكر أودلي بأن حكومات الغرب سوف تتقاضى الضرائب عن كل حلم نراه خلال نومنا. جابي ضرائب يقوم بمهامه الغريبة هذه مزوّداً بالآلة التي تكشف عما حلم به الناس خلال ساعات النوم. عندما يلتقي بفنانة تعيش منعزلة يبدأ بطرح الأسئلة حول ما يقوم به وهذه تقوده إلى اكتشاف أن وراء كل ذلك مؤامرة تمارسها الحكومة على الناس. المخرجان يقومان بالبطولة هنا ومعهما الممثلة غريس غلويكي.
أغرب من هذا الوضع ما يرد في فيلم «مبارزة» Duel وفيه نقلة إلى المستقبل حيث يتم صنع «كلون»، أي مخلوق بشري مريض ليحتل مكانه حين يموت من دون معرفة أفراد العائلة بذلك.
المشكلة التي يطرحها الفيلم هو ما العمل إذا ما تحسّنت صحّة المريض (متمثلة بالممثلة كارِن غيلن) ورغبته في أن يعيش؟ ما الصراع الذي سيدور بينه وبين النسخة الصناعية التي تريد غزو حياته؟
ويلتصق المخرج رتشارد لينكلتر بالمغامرة الفضائية لكن من زاوية ما يثير الصغار حولها. في فيلمه Apollo 10 1-2 A Space Age Childhood. أحداث الفيلم تدور في صيف 1969 عندما تم إطلاق المركبة الأميركية أبولو لكن محورها هو مجموعة الأولاد وكيف انعكس ذلك الحدث عليهم وعلى خيالاتهم الطرية.
فشل مؤكد
لم يشهد هذا الفيلم نجاحاً كان يستحقه لكن الحال هو نفسه مع فيلم Moonfall لمخرج تعود على تحقيق أحلام كبيرة لكن آخر محاولاته لم تكن ناجحة تجارياً وهو رولاند إيميريش.
إيميرريش تعوّد على اختيار الأفلام التي تصوّر نهاية الأرض تبعاً لكوارث لا يمكن تفاديها (كما الحال في «يوم الاستقلال» و«اليوم التالي للغد» من بين أخرى). هذه المرّة يصوّر الوضع الحرج الناتج عن الاحتمال المؤكد لحصول صدام بين كوكبي الأرض والقمر ومحاولة أهل الأرض (من العلماء والملاحين) تفادي ذلك.
الفيلم، كفكرة مثير، أما كمعالجة فيحفل بكل ما تأتي به أفلام هذا المخرج من مؤثرات ضخمة ونتائج درامية هزيلة.
لا ننسى، في نهاية المطاف، أن نذكر أن العام بدأ بفيلم روسي عرضته الصالات الأميركية بعنوان Superdeap حققه أرسيناي سوخِن بموضوع لافت. هذه المرّة يقرر أهل الأرض غزو أعمق نقطة تحت سطح الكوكب. ينطلق الفيلم من أن بعثة روسية حفرت نحو 10 كليلومترات تحت سطح الأرض ثم ولّت هاربة عندما أخذت تسمع أصواتاً غريبة صادرة عنها. بعد سنوات عاد فريق من العلماء وبعض العسكريين إلى الموقع ذاته وهبطوا فيه ليكتشفوا وجود مخلوقات قاتلة ستغزو الأرض إذا ما استطاعت الخروج من مخابئها.