د. مسفر الموسى
تعمل مهرجانات الأفلام دور الاقتصادات الصغيرة التي تسهم في انعاش الناتج المحلي للمدن المستضيفة. يمكن لهذه المهرجانات السينمائية أن تجعل المدن الصغيرة تزدهر من خلال جلب الأعمال التجارية ، وإعطاء الشباب والفتيات سببًا للبقاء فيها ، كما تسهم في تطوير الروابط الوطنية والدولية للمدينة.
بارك سيتي في ولاية يوتا ، موطن مهرجان صندانس السينمائي المرموق، هو أحد الأمثلة. حضر ما لا يقل عن 122 ألف شخص في شتاء 2019، حيث أنفق الزوار من خارج الولاية ما يقدر بنحو 149 مليون دولار. كما خلق المهرجان ما لا يقل عن ثلاثة الاف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة للسكان. يقول مايلز هانسن ، الرئيس والمدير التنفيذي لمركز التجارة العالمي بالولاية: “صندانس غالبًا ما تكون واحدة من أولى الأشياء التي يعرفها قادة الأعمال الدولية والحكومات عن ولاية يوتا”.
في برلين يأتي خمسة من أصل سبعة سياح من أجل الفعاليات الثقافية في المدينة. مهرجان برلين السينمائي الدولي هو أحد هذه التظاهرات الثقافية في برلين وأبرزها. فبعد أعوامه الأولى التي قامت على الأيديلوجية السياسية، تحول المهرجان إلى منتج ثقافي يساهم في الناتج المحلي الاقتصادي للمدينة. يمتاز مهرجان برلين السينمائي بتصميمه التنظيمي الفريد الذي بتيح للجمهور حضور المهرجان ومتابعة فعالياته عن قرب. هذه الميزة الفريدة ساهمت في رفع عدد القادمين إلى المدينة من أجل الإلتقاء بنجوم السينما وحضور نقاشاتهم المباشرة حول الأفلام. حيث ينفق القادمون إلى المهرجان ما يقارب المائة مليون يورو في الفنادق والمطاعم والمحلات التجارية خلال فترة المهرجان. من جانب آخر، يعد وجود استديوهات دولية قريبة من موقع المهرجان فرصة عظمى لعقد الشراكات بين المنتجين والمخرجين والمواهب الشابة في برلين. إذ تنتج استديوهات بابلسبيرغ عددا متزايد من الأفلام الكبيرة التي يتم عرضها في المهرجان مما يؤدي إلى منفعة متبادلة وإيجابية لصورة مدينة برلين. فهي من جهة تسوق للمواقع الحضارية والعتيقة للمدينة من أجل استقطاب أعداد إضافية من السياح العابرون للقارة، ومن جهة أخرى تخلق فرصا مناسبة للوظائف والأعمال في مجال الإنتاج السينمائي.
في التجربة الاسيوية يأتي مهرجان بوسان السينمائي الدولي باعتباره واحدا من أضخم المهرجانات في شرق القارة. ساهم المهرجان في ترقية صورة بوسان من مدينة ساحلية صناعية متدهورة إلى مدينة سينمائية عالمية. كما ساعد المهرجان في تعزيز السياحة من خلال جذب عدد كبير من السياح خلال المهرجان. فقد ساهم، وعلى غرار مهرجان برلين، في زيادة الناتج المحلي من خلال انفاق السياح على الفنادق والمطاعم والمنتجات المحلية. فنادق الخمس نجوم في بوسان، كما تذكر إحدى الصحف المحلية في كوريا، محجوزة بالكامل بسبب المشتريات الخاصة لـلمهرجان. الأمر الذي جعل حكومة المدينة، مع مجموعة من العوامل الأخرى، تنشئ مدينة المارينا ومدينة سينتوم في بوسان. تحتوي المدينتين الترفيهية والصناعية والتقنية على مجمعات سكنية عالية الارتفاع ومتعددة الاستخدامات، بالإضافة إلى مراكز التسوق والمنشآت الثقافية التي لعبت دور المنفعة المتبادلة مع موسم مهرجان بوسان السينمائي الدولي.
اليوم ومن خلال مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي تسير السعودية على خطى النماذج المعيارية الدولية السابقة. يستحضر المهرجان الناشئ اسمه من اسم أكبر الوجهات السياحية المستقبلية في المملكة. فمن البلد القديم في مدينة جدة إلى مدينة المستقبل نيوم مسافة من الثقافات المتعددة التي سيلعب معها المهرجان دور المنفعة المتبادلة. ستكون هذه المواقع المحلية المدهشة ضمن خيارات ورؤية المنتجين والمخرجين العالميين لإعادة التجسيد الثقافي الذي يليق بها. في بضع نسخ قادمة من المهرجان سنتمكن من كتابة تجربتنا الاقتصادية والثقافية والسياحية. بالتحديد في 2030 سأكمل المقال.
أكاديمي متخصص في الإنتاج الوثائقي وجماليات الشاشة