سولييود «متابعات»
بدأت شبكة «نتفيلكس» أمس السبت، عرض الفيلم الألماني التاريخي «All Quiet on the Western Front كل شيء هادئ على الجبهة الغربية»، المستوحى من رواية تُعد من الروايات الأكثر مبيعًا حول العالم، والتي تحمل الاسم نفسه للكاتب «إريك ماريا ريمارك»، ومن إخراج الألماني «إدوارد بيرغر»، وبطولة «دانيال برول»، «ألبريشت شوتش»، «فيليكس كامرير».
قصة الفيلم
تدور أحداث الفيلم، الذي جرى تصويره في براغ، حول جندي ألماني شابّ يُحارب على الجبهة الغربية أثناء الحرب العالمية الأولى، حيث يشهد ورفاقه عن كثبٍ تحوّل الحماسة الأولية للحرب إلى يأسٍ وخوف، عندما يقاتلون للبقاء على قيد الحياة ولحماية بعضهم بعضًا في الخنادق.
كان القرن العشرين هو الأكثر تطرفًا في التاريخ من حيث القتل والدمار، وأيضًا من حيث الاضطرابات الاجتماعية والثقافية العميقة، وغالبًا ما تضع السينما هذه اللحظات الأساسية في صور، لذا فإن الفيلم جاء ناقلًا لجانب آخر لا يخوض في السياسة بمبرراتها ونتائجها، بقدر تركيزه على الجانب الإنساني للشباب الذين زُجّ بهم في أتونها.
يقدم العمل نظرة عن وحشية الحرب من خلال عيون جندي يبلغ من العمر 17 عامًا، برفقة مجموعة من الطلبة الذين يُجبرون على دخول الجيش الألماني، لنرى من خلال أعينهم مأساة نفسية حينما تتلاشى مشاعر الحماسة الأولية، بسبب الواقع المرير للحياة في الخنادق.
يستعين الفيلم بأكثر الطرق إبهارًا من الناحية المرئية، سواءً في التصوير السينمائي أو في التحرير، مما دفع ألمانيا لاختياره ليكون ممثلًا عنها في حفل توزيع جوائز «الأوسكار» 2023، باعتباره أحد أكثر أفلام الحرب إثارة للإعجاب في الفترة الماضية.
مفارقة وصراع.. بين الشعارات والواقع
يروي المخرج «إدوارد بيرغر»، في الرواية الملحمية للحرب العالمية الأولى بشكل مؤثر أكثر من أي وقت مضى، إذ إن المراهق «بول بومر» الذي يقوم بشخصيته الممثل «فيليكس كامرير»، يبدو في بداية الفيم يائسًا بسبب الانضمام للخدمة العسكرية في بلاده، لكنه يوافق بعد وعود بالمجد والبطولة التي صاغها رجال الجيش والسياسيين، لذا يركز العمل في تفاصيله الدقيقة على إبراز هذه الزاوية، أي المقارنة بين الدعاية المزيفة «سياسيًا»، وبين الواقع القاسي للحياة في الخنادق وتحت أصوات الرصاص.
تبرز هذه المفارقة منذ البداية عندما يصل الشاب «بول» إلى الخنادق، ليجد نفسه أمام درسٍ قاسٍ إما القتال أو الموت في المكان الذي يقف فيه، وإن كانت نتيجتهما واحدة مع فرصة ضئيلة للحياة يمكن أن يجلبها القتال وسرعان ما تتمزق أوهام البطولة والشجاعة مع بدء حقائق الحرب.
ورغم ذلك فليس كل شيء يبدو قاتمًا، إذ تتخلل الفيلم بعض اللحظات الرائعة من الصداقة الحميمة التي تجمع الطلبة، وهم يحاولون مساعدة بعضهما البعض للبقاء على قيد الحياة، ولكن كما هو متوقع أيضًا من فيلم مناهض للحرب، فهو يسير على خط رفيع بين إضفاء الطابع الإنساني على الفتيان وبين تمجيدهم.
«كل شيء هادئ على الجبهة الغربية» هو تفسير وحشي ودموي وواقعي بشكل مخيف للرواية الأصلية 1929، كما أن للمخرج مغزىً في التقاط أهوال الحرب، مرددًا المشاعر المناهضة لها بطريقة جديدة ولكن قاتمة تمامًا، لذا فإن الفيلم يعتبر تذكيرًا قاسيًا بالوحشية المطلقة للحرب، في مشاهد ستكون صعبة بالنسبة للبعض، لكنها تعتبر واحدة من أكثر القصص المعادية للحرب المؤثرة على مر العصور.
الحرب العالمية الأولى في عيون السينما
كما أن «All Quiet on the Western Front» ليس أول فيلم ينقل الوجه القاسي للحرب، وليس أول فيلم يروي هذه القصة بالذات، حيث كانت النسخة الأولى من الفيلم نفسه عام 1930 بارعة في تقديم المشاهد، وحائزت على جائزة «الأوسكار».
والأفلام التي تناولت الحرب العالمية الأولى هي: «كل شيء هادئ على الجبهة الغربية» عام 1930، «وداعًا للسلاح» عام 1932، «دروب المجد» عام 1957، «لورنس العرب» عام 1962، «الملك والبلد» عام 1964، «حصان الحرب» عام 2011، «لن يتقدموا في العمر» عام 2018، فيلم «1917» عام 2019.
الرواية وكاتبها.. انزعاج ألماني
جرى منه الرواية المستوحى منها الفيلم في ألمانيا بأربعينيات القرن الماضي، ومُنِع مؤلفها «إريك ماريا ريمارك» من العودة إلى وطنه وأُسقطت عنه الجنسية، فاضطر للعيش في سويسرا.
تصف الرواية الضغوط الجسدية والنفسية والعقلية التي تعرض لها الجنود أثناء الحرب، والانفصال عن الحياة المدنية الذي يشعر به العديد من الجنود لدى عودتهم من الجبهة.
ونشرت الرواية أولًا كحلقات في صحيفة «فوس» عام 1928، ثم كتابًا عام 1929 وحققت نجاحًا مدويًا، فخلال ثمانية عشر شهرًا من صدورها بيع منها 2.5 مليون نسخة بخمس وعشرون لغة، وحاليًا وصلت مبيعاتها إلى 5 ملايين نسخة، وتُرجمت لأكثر من ثلاثين لغة.
وتحولت رواية «كل شيء هادئ على الجبهة الغربية» إلى فيلمين أميركيين، الأول سينمائي عام 1930 واستطاع أن ينال «الأوسكار»، كما نال مخرجه جائزة «أوسكار» أفضل مخرج، والثاني فيلم تليفزيوني عام 1979.
«إريك ماريا ريمارك» هو وروائي وكاتب مسرحي وكاتب سيناريو، ولد في «أوسنابروك»، وبات أحد الكتاب الأكثر شهرة والأكثر قراءة على نطاق واسع من الأدب الألماني في القرن العشرين، وتوفي في «لوكارنو» عن عمر يناهز 72 عامًا.