أمجد المنيف
تبدو واضحة جدًا الجهود الكبيرة التي تشهدها السعودية في سبيل النهوض بصناعة السينما والأفلام خلال السنوات الأخيرة، في تكامل تام للأطراف كافة، سواء كانت الجهات الرسمية الحكومية، أو غير الرسمية المتمثلة في القطاع الثالث، وأيضًا القطاع الخاص.. وحتى الأفراد من صناع السينما والمهتمين.
في نفس الوقت، لا يزال هذا الحراك بعيدًا -نوعا مًا- عن بلورة أو بناء مجتمع سينمائي محلي مكتمل الأركان في المملكة.
منذ الإعلان عن إعادة إطلاق السينما بشكل رسمي، تحدثت العديد من المقالات والدراسات عن الجدوى الاقتصادية، والقيمة الفنية والثقافية، التي ستضيفها صناعة السينما للمملكة، يمكن القول إن هذه الدراسات -رغم أهميتها- تناولت الأمر بشكل قطري ضيق، دون الاهتمام بالصورة الكبيرة المتمثلة في أهمية وجود مجتمع سينمائي محلي في السعودية. كان التركيز إمَّا على العائد الاقتصادي لصناعة السينما، أو الدور الوظيفي للسينما، بوصفها من أهم أدوات التأثير، وتكوين الرأي العام.
وفي غياب الصورة الكاملة، كان أغلب المبذول من أجل النهوض بصناعة السينما في المملكة، أشبه بالمنارات المتباعدة؛ تتم بشكل فئوي، دون توفر آلية جامعة تربطها جميعًا في سياق واحد، وتسعى من أجل هدف أشمل.
إن أهمية وجود مجتمع سينمائي محلي تكمن في خلق كيان جامع، يحقق للسينما والفن -بشكل عام- حجز مكان في حياة المجتمع السعودي، ويوفر لها مكانة متقدمة في سلم الأولويات السعودية؛ فلا تتأثر بالهزات التي تضرب الصناعات، أو التقلبات المزاجية للجمهور، كما أن وجود هذا المجتمع يضمن التواصل الفعال بين عناصر وأطراف المجال ككل؛ بداية من الجهات المسؤولة على اختلاف أشكالها، مرورًا بصناع السينما وعناصرها الفاعلة، وصولاً إلى المهتمين والمحبين والجماهير. يتيح هذا التواصل الفرص لتبادل الخبرات، وتقديم النقد بشكل بناء، ورصد المشكلات والمعوقات والتحديات، ووضع الحلول والبدائل.
وحتى نتحدث بموضوعية، لا يمكن إغفال الدور الكبير الذي تلعبه هيئة الأفلام منذ تأسيسها قبل أكثر من عامين تقريبًا، وما تقوم به من أجل تطوير قطاع الأفلام وبيئة الإنتاج، ودعم صنَّاع الأفلام. ولعل أبرز جهود الهيئة في سبيل تدشين المجتمع السينمائي المحلي، ما تنظمه بشكل دوري ومتفاعل من اللقاءات الحضورية، وورش العمل المتخصصة في موضوعات متعددة في قطاع الأفلام وصناعة السينما، ومد جسور التواصل مع الكيانات والمنصات السينمائية مثل “موقع سوليوود السينمائي”، وغيره من التجارب؛ ليكون همزة الوصل في بناء هذا المجتمع الوليد.
جهود الهيئة يجب ألَّا تكون فقط للرصد أو الشكر، بل يجب أن تكون دليلاً إرشاديًا يؤدي في النهاية إلى تكوين وإرساء مجتمع السينما في السعودية، لهذا، نحتاج إلى أن تبدأ الأطراف الفاعلة والمهتمة بصناعة السينما وقطاع الأفلام من حيث تقف الهيئة، ويستلهمون من دورها في الدفع نحو إيجاد هذا المجتمع.
إن الحاجة للمجتمع السينمائي المحلي تفرض على الجهات الرسمية وغير الرسمية، والقطاعين الخاص وغير الربحي، بل وصناع السينما والهواة والمحترفين؛ المبادرة في إطلاق تجاربهم الخاصة، التي من شأنها أن تسهم في تعزيز وجود وقوة هذا المجتمع، وبناء وتنمية قطاع أفلام سعودي إبداعي، وتعزيز قدراته على مستوى الأسواق المحلية والدولية. والسلام..