نورة فهد
لماذا نشاهد الأفلام؟ لأننا فشلنا أمام ابتكار آلة للعودة بالزمن أو القفز نحوه، لنعبث مع طغيان الوقت، لنُميته أو نسرّع عملية حدوثه؛ لأننا نريد أن نهرب من سماء عالمنا إلى سماءٍ جديدة؛ على الواقع أن يتمدد، يتغير ويتسع و يتشكل، لئلَّا نراه من زاوية أعيننا الضيقة وحدها.. ليشارك كلٌّ منا ما يراه الآخر.
نضحك، نبكي، نصرع الوحدة؛ ملتمين أمام حضرة الفن السابع، وياللمفارقة فيه تجتمع كل أشكال الفنون: الرقص، والموسيقى، والشعر، والعمارة، والرسم؛ كل شيء ممكن في الشاشة.
ما الحكمة الماثلة في الاحتفاء بالأفلام؟ متسائلين: ما الذي يدفعنا لمشاهدتها؟
أن تجلس لساعتين أكثر أو أقل، تشهد عملاً يحرك دفّات محركات عقلك، يلمس قلبك..
شيءٌ كان ينتظر طويلاً أن يُقال؛ وقيل..
أو للمتعة البحتة ببساطة! الأفلام تجسيدٌ حي للجمال والأفكار؛ نصٌ يحكى ويصوَّر، ووسيلة مهمة مؤثرة لخلق لقاء بين حضارة وأخرى.. لتتعارف الشعوب ولتُروى القصص.
أحد أكثر الأشياء جمالاً هي علاقتنا الجوهرية كأفراد بالأفلام..
هناك الفيلم الذي أوجد بداخلك ولعًا نحو ثقافةٍ ما؛ الذي هز كيانك، أو عرفك على علمٍ لم تتوقع أنه سيثير اهتمامك.. أو الفيلم الذي أضحكك حين كنت تمر بيومٍ عصيب..
وأكثرها جمالاً الأفلام التي شاهدناها صغارًا؛ ذكراها الدافئة التي ترفرف حول قلوبنا، أثرٌ سحري يعلق في الذاكرة..
لا يوجد سبب واحد ومحدد لمشاهدة الأفلام..
بإمكانك إيجاد ملايين الأسباب..
أو ببساطة؛ الحب وحده يكفينا..
لأننا نحب الأفلام..
ما الذي تقدمه لنا الأفلام؟..
نحن غالبًا في رحلة مستمرة ما دمنا على قيد الحياة في البحث عن معنى، عن شيءٍ يهدهد جيوش القلق الراقدة في قلوبنا..
عن أجوبة لكل تلك الأسئلة، قد ننجو بتوظيف ما نملكه من حواس نحو الفن والجمال.
تتمتع السينما كشكلٍ فني بديع بتأثيرٍ فلسفي قوي؛ إذ تؤثر على أعدادٍ غفيرة خالقةً مشاعر شخصية عميقة بين الفيلم والمشاهد الذي قد يتوحد مع شخصياته..
أو حتى على مفاهيمنا الشخصية تجاه بعض القضايا؛ هذه الرؤية الشخصية ليست تعميمًا عامًا تجاه كل فيلم، وما عليه من تأثير وجودة طبعًا، لكننا لن ننكر وجود رباطٍ قوي بيننا والسينما!
أبسط أداة لمحاولة شرح ارتباطنا العاطفي بها هو أننا قد نجد أنفسنا فيها..
مرآة لما نحنُ عليه..
نجد فيها عونًا لإيجاد معنىً ولو مؤقتًا لوسيلة نعيش ونفهم بها حياتنا من خلال قصة حياة الآخر..
ندين للسينما بكل الحيوات التي لم نعِشها..
ومثل كل أنواع الفن هي وسيلة تكيف، تعلّقٌ بالإبداع، مخرج طوارئ.
تقودنا المشاهد ونقودها لنلتقي على أرض رؤية فريدة أو جديدة.. نبث هواء الحياة في رئة حيواتنا الفارغة أثناء مشاهدة فيلم..
حيث أرى أننا لو أردنا أن نوقظ إحساسًا فينا نشاهد فيلمًا، أردنا أن نتحدث نشاهد فيلمًا؛ نطارد ظل إلهام نشاهد فيلمًا..
تمثل لنا أحيانًا الضوء الذي ينسكب كمياه برّاقة من سديمٍ سماوي حيث تولد النجوم..
تغرُس في نفوسنا ضربًا من البهجةِ المقيمة، أو الأسى الشفيف..
مفاهيمنا عن الحب والخسارات، الحرب والرعب، العطف والقسوة؛ تسهم السينما في تشكيلها من زاويةٍ ما..
ما تقدمه لنا الأفلام؛ دروسٌ حياتية، مشاهد مزلزلة، رفقة فنية، تهويدة مُطمئنة، استراحة من عبء حمل الحياة الثقيل.
وأقتبس من سارة مطر وصفها الدقيق جدًا: “المسرح يعلمنا أن نحول حياتنا العادية إلى حلم نضحك عليه قبل أن تغلق ستائره”.
وهكذا.. نغلق الستائر كأشخاصٍ مختلفين ولو جزئيًا عمّا كنا عليه قبل أن تُقدم لنا تحفة فيلمٍ باهِر.