عائشة سلطان
تبدو لي بعض الأعمال السينمائية في أحيان كثيرة أقوى تأثيرًا على المشاهد حتى من الكتب نفسها، فحين تتصدى السينما لمعالجة فكرة أخلاقية أو إنسانية ذات تشابكات وخلفيات وتحتاج للكثير من المقدمات والتفصيلات، فإن أدوات كثيرة بحوزة السينما تتضافر مع عبقرية المخرج ورؤيته لتقديم عمل لا ينسى أبداً! حيث تتضافر الكاميرا، الموسيقى، السيناريو، الحوار.. لتقديم الروائع التي يحفل بها تاريخ السينما.
إن الفكرة التي يعالجها الكاتب بالكلمات وصفًا وتحليلًا ومنطقًا ربما احتاجت منه إلى عشرات الصفحات لإيصالها لذهن القارئ ومن ثم إقناعه بها، ما يعني أن الكاتب يتصارع مع الفكرة متجردّا إلا من ذكائه وأبحاثه، بينما المخرج في السينما فإنه يقدم أصعب الأفكار وأخطرها وأجملها مدججًا بإمكانيات هائلة من الممثلين والمصورين والموسيقى، التي تلعب دورها في التأثير على المتلقي، وعبر حوارات ذكية تفتن المشاهد، ومؤثرات لا حصر لها، هنا تكون الغلبة للسينما فعلًا.
لقد أسعدتني الظروف خلال العامين الماضيين بمشاهدة أفلام مهمة ليس من السهل نسيانها، فقد شكلت مخزونًا قويًا ملأني بالأفكار والكتابات، أفلام في معظمها مما يطلق عليه صناع السينما (أفلام الفكرة)، وقد تطرقت إلى معضلات وقضايا تخص المرأة، إشكاليات علاقة الإنسان بالعائلة، الطفل ومكانته وحقوقه في هذا العالم، وأخرى تطرقت لمشاعر عميقة كالوحدة والصداقة والصمت والاستسلام والهروب والتفكير في الهروب والانتحار والكراهية والعنصرية.. إلخ، تترك هذه الأفلام أثرًا عميقًا في مشاهديها، وشعورًا حقيقيًا بالامتنان لصناعها.
«المنبوذون» واحد من الأفلام الفرنسية المهمة، والتي تترك أثرًا رائعًا في نفس وفكر المشاهد، فأنت لا يمكنك تخطي رسائل الفيلم، وكون الفيلم فرنسيًا يعالج ظواهر اجتماعية في واحد من أكثر المجتمعات الأوروبية الواقعة تحت إشكاليات العنصرية والكراهية والتفكك، والتباس مفهوم الحرية وتأثيرات هذا الفهم على حياة الفرد كبيرًا كان أم صغيرًا، فرنسيًا أصيلًا أم مهاجرًا، أرستقراطيًا فاحش الثراء أم فقيرًا معدمًا، تلك هي أزمات أبطال الفيلم المحدودين، والتي أصبحت تتجاوز المجتمع الفرنسي لتصبح أزمات العالم بأسره!