سوليوود «متابعات»
في السنوات الخمس الأخيرة، على الأخص، تدافعت أحداث ومسائل حفرت لنفسها وجوداً مهماً في الحياة السينمائية حول العالم. ومعظم هذه المسائل ارتبطت بمهرجانات السينما وهويّاتها والتنافس بين أقواها، وكيف تسعى للبقاء على القمّة أو مجموعة القمم التي تربّعت عليها، وفقًا لما ذكره موقع الشرق الأوسط.
تحديد هذه الانشغالات والمسائل، التي يمكن وصفها جميعاً بالقضايا، ممكن، لكن في الواقع هي متصلة بعضها ببعض، كما قد يحدث عندما تتشابك خطوط الهاتف أو كرات النسيج.
هناك في الأساس مسألة المنافسة التي تنصرف إليها المهرجانات الأكبر الثلاث، برلين وكان وفنيسيا. كل منها لا يحاول فقط أن يستمر في موقع القيادة العالمية، بل يسعى لاستقطاب أفضل المخرجين وأكثر الأفلام قدرة على التمتع بصفة «الحدث». فيلم لفرنسوا أوزو أو وس أندرسن أو جين كامبيون أو ترنس مالك أو بدرو ألمودوفار هو نصر كبير لأي مهرجان يستحوذ على أفلامهم حين تتوفّر. البعض منهم ينتقلون بالفعل من مهرجان لآخر باحثين عن جوائز أولى وجدوا أنها لم تمنح لهم في «كان»؛ فلمَ لا يجربون حظوظهم في «فنيسيا» أو «برلين»؟.
اشتغل مهرجان «كان» طويلاً على تبنّي مجموعة لا بأس بها من الزبائن المخلصين، لكن بعض هؤلاء ذهبوا مؤخراً لمهرجاني «برلين» و«فنيسيا». وهناك من انتقل منهما إلى «كان». ومع أن هذا يبدو طبيعياً، فإنه يكشف أن حرارة المنافسة بين المهرجانات المذكورة تتعدّى الإتيان بأفضل الأفلام إلى استحواذ أشهر المخرجين، وهذا عادة على حساب قيمة الأفلام ذاتها.
تيار جديد وقوي تحرك، في مناخ مناسب خلال السنوات الأخيرة، لكي يدعم قضايا المرأة على الشاشة، وفي الصناعة ذاتها. هوليوود فجأة ما رفعت نسبة المخرجات العاملات فيها خلف الكاميرا وأمامها. خارج هوليوود استمر تمحور الأفلام التي تناقش قضايا المرأة وتدور حولها. في كلا الجانبين، ارتفعت الأصوات مطالبةً بالحقوق النسائية كاملة، وهي على استعداد لإدانة أي مهرجان لا يضمن وجود عدد موازٍ أو شبه موازٍ من الأفلام المنتمية إلى مخرجات إناث، ولا يحتوي على العدد الكافي من عضوات لجان التحكيم.
إلى ذلك، أخذت المهرجانات المذكورة (وسواها من المهرجانات العالمية الأخرى، مثل «لندن» و«سان سابستيان» و«روتردام») تعرض المزيد من الأفلام لمخرجات. بعض هذه المهرجانات، مثل لندن، أخذت تصدح بهذا «الإنجاز»، وتتغنى بالنسبة العالية من المخرجات المشتركات، لحين بدا مهرجان «فنيسيا» ممتنعاً، سنة 2019، عن السير في هذا التقليد، مؤكداً أن اختياراته من أفلام المسابقة وسواها تتم تبعاً لصلاحية الأفلام وليس لجنس مخرجيها. في العام التالي سمح المهرجان الإيطالي بتعديل يمكن قبوله من ذلك الإعلام الذي باتت قضيّته البحث في عدد المخرجات المشتركات في المسابقات الرسمية.
ثم قام مهرجان برلين، في العام الماضي، بالمزايدة: لن تكون هناك جائزتان للتمثيل، بل واحدة قد تمنح لامرأة أو لرجل (أو لجنس ثالث)، والدافع هنا هو التأكيد على لا «جنسية» الجائزة ووحدة «الجنس». وتم تجسيد ذلك بمنح الممثلة التركية الأصل ملتم قبطان جائزة «الدب الفضي لأفضل أداء»، وذلك عن دراما ألمانية فرنسية بعنوان «ربيعة كوماز ضد جورج و. بوش».
خلال ذلك، ومنذ نحو عشر سنوات، ازداد الاعتماد على جوائز الأوسكار لأفضل فيلم، كوسيلة لدعاية للمهرجان. تفسير ذلك في الإيمان بأن وصول فيلم ما يعرضه أي من المهرجانات الكبيرة الثلاثة إلى ناصية الأوسكار هو فوز للمهرجان؛ كونه هو من انفرد بعرض الفيلم أولاً. الحاجة هنا جذب المنتجين والمخرجين إلى المهرجان الأكثر فائدة لهم على صعيد تجاري وإعلامي بحت.
«روما»، على سبيل المثال، تم عرضه في «فنيسيا» في عام 2018 وحط في ترشيحات الأوسكار (ثم في بعض جوائزها) في العام التالي. وهذا ما كان متوقعاً من فيلم «قوّة الكلب»، على غرار «روما»، و«لالا لاند»، و«مولد نجمة»، وسواها من الأفلام التي تدحرجت، بعد عرضها في المهرجان الإيطالي، على كل بساط أحمر بعد ذلك، وصولاً إلى الأوسكار.
«فنيسيا» لا يزال في المقدّمة في هذا الشأن يليه «صندانس» ثم كان بعدها «برلين».
ثم اكتملت حلقة التطوّرات والمنافسات، عندما عزز وباء «كوفيد» نشاط شركات بيع الأفلام إلى المنازل، فقبلت بعرض أفلامهم مهرجانات دون أخرى. في هذا الشأن، وجد «كان» نفسه الوحيد بين كل المهرجانات الكبيرة (بما في ذلك «تورونتو» و«برلين» و«فنيسيا» و«سان سابستيان») الرافض لعرض أفلام تلك الشركات، مثل «أمازون» و«نتفلكس». بينما ربح «فنيسيا» تلك الأفلام. دافع «كان» عن مبدئه لكن كل المصادر تجمع على أن احتجاج شركات التوزيع الفرنسية هو الذي منع إدارة المهرجان من قبول تلك الأفلام؛ كونها لا تُعرَض في صالات السينما الفرنسية ولا يجب دعمها. بذلك فات المهرجان الفرنسي عرض «الآيرلندي» لمارتن سكورسيزي و«قوّة الكلب» الذي توجّه إلى «فنيسيا»، وخرج منه بجائزة أفضل إخراج.
عودة الجمهور
كل ذلك وسواه دفع بصناعة الأفلام إلى موقع جديد تتقدمه خريطة متشابكة الخيوط.
ما نحن عليه حالياً قريب جداً من الوضع الحالي:
هناك ثلاث جبهات: جبهة العروض التجارية في صالات السينما، وجبهة المنصّات الإلكترونية التي تتوجه مباشرة إلى العروض المنزلية، وجبهة المهرجانات.
الجبهتان الأولى والثانية تتنافسان على السوق الشعبية الكبيرة داخل أميركا وخارجها. غني عن القول إن منصّات العروض إلكترونياً استفادت من التزام الناس بالبقاء في منازلهم نتيجة تفشي الوباء، في حين تضررت صالات السينما واستوديوهات هوليوود. الأولى كونها لم تجد لأكثر من نصف أشهر العام الماضي وسيلة لكي تعرض إنتاجاتها، ما كلّفها الكثير من الضرر المادي (تم الإعلان عن نحو 12 مليار دولار عن سنة 2021).
الجبهة الثالثة هي المهرجانات السينمائية التي رغم تعرّضها لما طاف في عالمنا من وباء، وبما يدور حالياً من نزاعات سياسية وعسكرية، ما زالت المكان الوحيد لمشاهدة أفلام بديلة عن السائد. أفلام تتواصل مع عنصري الفن والقيمة الضمنية أكثر مما تجد نفسها سلعة تجارية يؤمل منها نجاح طائل.
الحال هنا أن سبيل هوليوود الوحيد لجذب الجمهور العريض صوبها بات حكراً على ما تملكه شركات السينما فيها من مسلسلات «السوبر هيرو» و«الكوميكس». هذه الإنتاجات لا تستطيع المنصّات الإلكترونية المنافسة فيها بعد.
في هذا النطاق، أنجز «سبايدر – مان: العودة» النجاح الأكبر، منذ سنتين، إذ حصد من صالات السينما حول العالم ملياراً و888 مليون دولار حتى الآن. يتبعه «ذا باتمان» الذي تجاوز للساعة 700 مليون دولار.
وما في أدراج الشركات من أفلام قيد التحضير للإطلاق معظمه قائم على معادلة توفير هذا النوع من الأفلام، لأنه النوع الوحيد المضمون نجاحه بين مشتري التذاكر. هو وأي نوع مسلسلاتي تمّ له تحقيق نجاح كبير في الماضي.
في التصوير حالياً «باتغيرل» للمخرجين بلال فلاح وعادل العربي مع لسلي غريس في البطولة. كذلك الجزء السابع من «المهمّة: مستحيلة» مع كريستوفر ماغواير مخرجاً وتوم كروز ممثلاً، و«دكتور سترانج 2» في التصوير مع سام رايمي وراء الكاميرا وبندكت كبمرباتش أمامها. يتوالى بعد ذلك المزيد: Avatar 2 وThor 4 و«إنديانا جونز 5» و«بلاك بانثر 2».
ومن ضمن المشاريع التي سيباشر بتصويرها في رحى هذه السنة الجزء العاشر من Fast & Furious، والثالث من «شرلوك هولمز» والخامس من Lethal Weapon، وجزء يعلم الله كم رقمه من Star Trek ومن Fantastic Four.
البحث عن توازن
بذلك كله، يتم تشكيل الجمهور حسب الهوى والطلب والموقع. الصالة في المول أو في البيت والمهرجانات التي تقبل على كل عمل يختلف عن السائد في هذا المجال قدر الإمكان.
والحاصل أن مهرجان «فنيسيا» سدد لكمات موجعة لكل من «برلين» (أنجز دورتين ضعيفتين نسبياً في العام الماضي والعام الحالي) أولاً عندما قرر البقاء في حلبة العروض البشرية من دون اللجوء إلى تلك الإلكترونية في مقابل اضطرار «كان» سنة 2019، للتغيّب بالكامل واضطرار برلين للعروض الإلكترونية بديلاً، وثانياً عبر مواصلة استقطاب المخرجين الذين لديهم أعمالاً فنية عالية الجودة لا تخضع للعلاقة المربكة بين شركات الإنتاج والتوزيع وبين اختيارات المهرجان، كما الحال بالنسبة لمهرجان «كان».
هذا الأخير يحاول إيجاد توازن دقيق بين كل هذه التيارات. وكان في الأسبوع الماضي أعلن أن رئاسة المهرجان ستؤول إلى إيريس نوبلوتش، وذلك خلفاً لبيير لسكور الذي سيتقاعد عن إدارة هذا المحفل مباشرة بعد هذه الدورة.
خلفية الرئيس الجديد نوبلوتش أثارت القلق؛ فهي كانت الرئيس الأوروبي لشركة «وورنر ميديا»، ما يعني أن ميولها قد تكون تجارية في الوقت الذي يسعى المهرجان فيه للتأكيد على أنه ما زال الاختيار الأول للأفلام الفنية. صحيح أنها لا تختار الأفلام لكن مركزها القوي سيتيح لها توجيهات إدارية بلا شك.
في الرابع عشر من أبريل (نيسان) سيكشف المدير العام، تييري فريمو، قائمة الأفلام المشتركة، وحينها لا بد من العودة لقراءة جديدة تبعاً لعصر بات مزدحماً بمحاولات إيجاد النغم الخاص والمختلف لكل مهرجان على حدة.