خالد محمود
يترقب العالم اليوم من يتوَّج بجائزة الأوسكار فى دورتها الـ94، التى تنظمها الأكاديمية الاميركية لفنون وعلوم الصور المتحركة.. تلك اللحظة التى تلهم من يحظون بها لحظة حياة، تتنفس فيها الأحلام والآمال الكبيرة.. إنها حقا لحظة عمر وتتويج لمشوار من الإبداع والتمسك بالنجاح.
لا أعرف لماذا يتملكنى هذه المرة شعور بالحسرة والمرارة والألم، لعدم وجود فيلم مصرى قادر على المنافسة بتلك الجائزة العالمية والوصول إلى قوائمها النهائية، أقول ذلك رغم أننى أعرف الأزمة المتكررة كل عام فى رحلة البحث عن اختيار ووجود فيلم مصرى ينافس على الأوسكار أفضل فيلم دولى، كل مرة تجتمع لجنة الاختيار، التى أحظى بعضويتها، ونفاجأ بالصدمة عندما تقوم نقابة المهن السينمائية «الجهة المنسقة» بحصر الأفلام المصرية التى أنتجت فى العام، وينطبق عليها اللائحة، وتضع تلك القائمة امامنا، أقرأها مرات ومرات لكنى لا أجد اسما واحدا يحفزنى وأتحمس له يكون مؤهلا للسباق الشرس، وكثيرا ما أصوت لعدم الترشيح، لكن أصوات الأغلبية تفضل ترشيح فيلم لمجرد التواجد وأداء الواجب، وبحجة الاعتذار عن عدم المشاركة فيه إساءة بالغة للسينما المصرية، حتى وهم يعلمون علم اليقين بأنه لن يتخطى أى مرحلة، ومهما كان مستوى الفيلم المصرى، فرصة التواجد، فى محفل دولى هو قبلة أنظار العالم! ولك أن تتخيل أن قائمة الأفلام التى وضعت بين أيدينا شملت نماذج جيدة وهى النسبة الأقل مثل «سعاد» و«كباتن الزعترى»، بينما شكلت الأغلبية أفلاما تتسم بالضعف الإبداعى مثل «وقفة رجالة، للايجار، موسى، شاومينج،
قبل الاربعين، احمد نوتردام، ديدو، الشنطة، مش انا، البعض لا يذهب للمأزون مرتين، ماكو، عروستى، ريتسا، الكاهن، ماما حامل»، بينما شملت فى المقابل القائمة المنافسة هذا العام أفلاما تمثل حالة خاصة من الإبداع فى الفكر السينمائى المعاصر، نالت أكبر قدر من الإعجاب لدى النقاد وأيضا مشاهديها من الجمهور، مثل: الألمانى «أنا رجلك» للمخرجة ماريا شرادر، ويمثل حالة إبداعية ليس فقط فى فكرته ولكن أيضا لبراعة أداء بطليه مارين إيجيرت ودان ستيفنز.. والنرويجى «أسوأ شخص فى العالم» كواحد من أفضل أعمال المخرج النرويجى واكيم ترير.. والمكسيكى «صلاة من أجل المسلوبين» للمخرجة تاتيانا هيزو.. وفيلم «يد الله» حيث يقدّم لنا المخرج الايطالى باولو سورينتينو دراما انسانية ملهمة، من ثمانينيات القرن الماضى فى نابولى، حيث يواصل الشاب فابيتو حبه لكرة القدم مع وقوع مأساة عائلية، مشكلا مستقبله الغامض.
مع «يد الله»، تحدى سورينتينو نفسه ليصنع سيرة ذاتية شخصية، ولكنها غير تقليدية، دراما غريبة الأطوار ولكنها مغرية، يبدو وكأنه فيلم من أفلام سورينتينو؛ لأنه يدور حول العثور على شخصية فى أماكن غير متوقعة وجعلها تبدو حقيقية فى الحياة ومدهشة تمامًا.. و«خلية النحل» فى تجربتها الأولى تصنع الكاتبة والمخرجة بليرتا بارشولى فيلمها الكوسوفى «خلية نحل» صورة لامرأة مجتهدة وأم لطفلين حققت مكانتها وسط تحيز صارخ على أساس الجنس فى قرية أبوية قمعية استهلكتها القيل والقال والخوف من العار.
لا أستطيع أن أمنع شعورى بالغيرة من دول أخرى نضجت ونهضت بسينماها واستطاعت أن تحظى بحلم التتويج والمنافسة والتواجد بالقوائم النهائية مثل كوريا الجنوبية والهند وإيران، وتونس، والجزائر، واليابان، والسويد وألمانيا واليابان، وحتى فلسطين والأردن.
وشاهدنا على مر السنوات أفلاما مختلفة: مثل الكورى: «طفيلى» الذى اقتنص الأوسكار، «أطفال السماء»، «ذيب»، «النمر الرابض والتنين الخفى»، «المليونير المتشرد»، بينما لم ينجح فيلم مصرى واحد فى تخطى التصفيات الأولية، ويصل إلى قائمة الـ١٥ أو الخمسة منذ عام ١٩٥٨ عندما تقدمنا بفيلم «باب الحديد» للمخرج يوسف شاهين، حيث حرصت مصر على المشاركة مبكرا وعلى مدار ٦٣ لم يصل فيلم مصرى واحد إلى القائمة طويلة على أقل تقدير.
كانعكاس طبيعى لتراجع معدلات الإنتاج، بشكل مخيف، وبالتبعية هزال، الأفكار، والأساليب، وعدم اهتمام صناع السينما المصرية بمتابعة نتاجات المدارس السينمائية المختلفة فى العالم، ومعرفة ما وصلنا إليه وأين نقف مقارنة بهم.
على مدار سنوات طويلة تحرص مصر على ترشيح فيلم لتمثيلها فى فئة أفضل فيلم عالمى بجوائز الأوسكار لكننا بحاجة لخطوة واجبة لإصلاح مسار السينما المصرية بدلا من التراجع المخيف مُقارنة بالطفرات الهائلة التى بلغتها سينمات دول أخرى.
المصدر: صحيفة الشروق المصرية