سوليوود «متابعات»
«غبريال» فيلم مفاجئ من حيث إنه يختزن، أكثر مما مضى، مهنتي المخرج الفرنسي باتريس شَرو في شكل واحد، وهما المسرح والسينما. الفيلم سينمائي تماماً ومسرحي جداً في الوقت ذاته، الصفة الأولى مترجمة إلى استخدام «سوبر 35 مليمتر» الذي يمنحك الشاشة العريضة، وإلى كيفية استخدامها وتحريك الكاميرا من زوايا مختلفة، أيضاً يلعب عنصر الانتقال من الأسود والأبيض إلى الألوان دوره في هذا الاتجاه، كون المسرح لا يمكن أن يكون بلا ألوان، بحسب ما ذكر موقع الشرق الأوسط.
الناحية الثانية مترجمة إلى وسيلة التخاطب، تخاطب الممثلين أحدهم إلى الآخر، ووسيلة تخاطب بعضهم (تحديداً الزوج) إلى المشاهدين (عبر التعليق الصوتي) ثم نوعية الحوار المستخدم. بذلك هو فيلم براغماتي النزعة إلى حد ملحوظ، ولو أنه أكثر حيوية وحركة من فيلم للمخرج السويدي الكبير.
يلعب باسكال غريغوري شخصية زوج من النوع الذي لا تتمناه أي امرأة، إذ تهيمن عليه نوازع السيطرة على الآخر. يكيل المديح لنفسه وحياته، ويميل إلى التبجح والغلظة في المشاعر والأداء. إيزابل أوبير هي الزوجة التي تقرر أن الوقت حان لكي تتوقف عن البذل والخروج من تحت هذه السيطرة، ولو كلّفتها البيت والمركز الاجتماعي.
في الرواية القصيرة التي كتبها جوزف كونراد بعنوان «العودة» The Return في نحو 40 صفحة، ليس هناك وجود حقيقي لشخصية الزوجة. هي بالكاد مذكورة في عدد من الفقرات. التركيز الأساسي على الزوج. كان على شَرو تكبير حجم دور الزوجة، إلى ما هو عليه في الفيلم، واستبدال أسلوب كونراد القائم، دوماً، على الوصف والنثر بالحوار (وكثير منه في الواقع).
يبدأ الفيلم بالأبيض والأسود، مع جان (غريغوري)، ثم ينتقل إلى الألوان مع حفلة عشاء تحضرها شخصيات لوي بونويل البرجوازية (الزمن هو قبيل الحرب العالمية الأولى) من دون السخرية أو المشاهد السوريالية التي اعتاد عليها المخرج الإسباني. صوت جان معلّقاً على ما نراه يبدأ مع الفيلم، ثم يعود لاحقاً ليعلمنا كم هو معتز بمجموعة الأصدقاء والمعارف التي ينتمي إليها ككاتب ومثقّف. كبرياؤه تُجرح حين يقرأ رسالة من زوجته توضح فيها أنها تريد تركه، ثم تُستعاد الجروح العاطفية حين تعود إليه من دون بصيص أمل في تغيير موقفه. تتناوب بعد ذلك المواقف التي تؤكد على أن الحياة الزوجية بينهما لم تكن يوماً مناسبة لأي منهما.
مع تصاعد الأزمة بين الرجل وزوجته يميل شَرو إلى مزيد من استعراضاته البصرية المناسبة في مشاهد دون أخرى. لا شيء هنا يحمل عمقاً أو وصفاً صامتاً كون المعالجة تعتمد على شرح ما يدور بالحوار وليس بالصمت. لكن الأذى الناتج عن هذا التقليد لا يترك التأثير حين النظر إلى الفيلم كله، وما حققه المخرج من حسنات على صعيدي الدراما وإدارة الممثلين.
باتريس شَرو:
مارس شَرو (1944 – 2013) الإخراج المسرحي والسينمائي بنشاط منذ الستينات وما بعدها. ثم عُيّن سنة 1966 مديراً للمسرح الشعبي في إحدى ضواحي باريس، ونجاحه هناك ساعده على تكوين ما صبا إليه من نجاح وشهرة. وربما آثر المسرح (والمسرح الأوبرالي كذلك) على العمل في السينما، إذ لم يحقق أكثر من 10 أفلام في حياته. ثقافته وموهبته دفعا المخرج البولندي أندريه فايدا لمنحه أحد الأدوار الرئيسية في فيلمه «دانتون» (1982) ثم جاء دور المخرج المصري يوسف شاهين الذي منحه بطولة فيلمه «وداعاً بونابرت».