سوليوود «متابعات»
بين كلمتي «متطوع» و«مرتزقة» ينقسم المعلقون المهتمون في الأزمة الروسية الأوكرانية، حيث تتواتر الأنباء عن سفر آلاف السوريين للحرب إلى الجانب الروسي، فيما اختار بعض مواطني دول الاتحاد الأوربي التوجه إلى الحرب في صف الجنود الأوكرانيين، ومن جهة أخرى لا تتوقف التقارير التي تتحدث عن الأجور التي يتلقاها من يختار الحرب إلى صف دولة أخرى غير وطنه، والأزمة الروسية الأوكرانية يشعل على ما يبدو صراع التجنيد بمقابل مادي، والذي يطلق عليه وفقاً لاتفاق جنيف 1949 تعبير «مرتزقة»، وهو الوصف الذي عاد بقوة للظهور خلال السنوات الماضية من بوابة الصراع في سوريا، ولكن تلك العودة كانت دوماً مرتبطة باتهامات لشركات روسية تقوم بتجنيد الأشخاص ليحاربوا في نزاعات مسلحة بدول أخرى، حسب ما أورد موقع إندبندت العربية.
هذا العالم الثري درامياً حاول بعض صناع السينما مراراً توثيقه في تجارب مختلفة، ولعل أحدثهم المخرج الروسي فلاديمير بيتوكوف بفيلمه «Mama I’m Home» (ماما أنا في المنزل).
فيلم روسي ينتقد تجارة «المرتزقة»
الفيلم الذي عرض في مهرجاني الجونة وفينيسا السينمائيين العام الماضي، نال إشادات واسعة نظراً إلى قصته الإنسانية التي تتحدث عن انتشار شركات الأمن الخاصة التي تقوم بتوريد شباب في مقتبل حياتهم للمشاركة في الحروب مقابل أجور ضخمة، حيث تعيش عائلاتهم في جحيم القلق والرعب، ثم يتحول الأمر إلى مأساة إذا ما فقدوا أرواحهم في سبيل الدفاع عن قضية لا يؤمنون بها.
وبحسب الفيلم فإن شاباً يلقى مصرعه أثناء مشاركته في الحرب السورية، وتفشل والدته في العثور على جثته بعد أن تحولت إلى أشلاء، وبعد أن تقوم بتصعيد الموقف في وسائل الإعلام تفاجأ بشاب في مثل سنه يحاول أن يقنعها بأنه هو ابنها، وتحدث مواجهات كثيرة بينهما فيحتجزها وعائلتها كي لا ينكشف الأمر، ولكنه في ما بعد يتعاطف معها ويحاول أن يساعدها في قضيتها. الفيلم تم تمويله من خلال شركات خاصة بعيداً من المؤسسات الحكومية في روسيا.
وفي بقعة جغرافية مجاورة، وعقب انهيار الاتحاد السوفياتي وانفصال الدول والأقاليم التابعة له دارت أحدث فيلم «Tangerines» الذي كان ضمن الأفلام المرشحة لأفضل فيلم بلغة أجنبية ضمن قوائم نسخة أوسكار الـ 87، إذ استعرض الفيلم ببراعة الصراع الإنساني بعد أن تجمع الظروف المرتزقة بالمنخرطين في جيش العدو، وكان البطلان الرئيسان من المرتزقة الشيشان يقاتلان إلى جانب الانفصاليين في منطقة أبخازيا التي تسيطر عليها القوات الجورجية، والفيلم من إنتاج وإخراج وتأليف زازا أروشادزي.
اختبارات أخلاقية في السينما العالمية
اللافت أن «تجارة المرتزقة» والحرب بالوكالة تنشط بشكل كبير في روسيا والمناطق المجاورة، وبحسب تقرير أفصحت عنه «بي بي سي» الروسية عام 2018، “فإن مجموعة من المرتزقة الروس التابعين لشركة (بي إم سي فاغنر) الخاصة شاركوا في نزاعات مسلحة في دول مثل سوريا وأوكرانيا والسودان وغيرها، وكشف التقرير عن المبالغ التي يتقاضاها الجنود وتعويضات الإصابات والوفيات وبنود التعاقد.
وإذا كانت أجواء العملية الروسية الأخيرة استدعت معها أفلاماً تنتمي للمنطقة نفسها حول حياة المرتزقة، فهذه السينما العالمية تناولت تلك الأفكار أيضاً وتحدثت عن هذا الجندي الذي يدفع له أجر نظير دفاعه عن وطن غير وطنه، ولكنه أيضاً لا يعترف به ولا يحصل على أي امتيازات أدبية، وظهر هذا في أعمال شهيرة لها ليست بالضرورة تدور في شرق أوروبا أو شمال آسيا، بينها الفيلم الهوليوودي «The Expendables» (المرتزقة) بأجزائه الأربعة، الذي عرض بداية عام 2010، من بطولة وتأليف وإخراج سليفستر ستالون، وشارك به أيضاً بروس ويلز وجيسون ستاتوم وأرنولد شوارزنيجر وغيت لي وغيرهم، وتدور أحداثه بشكل أساس في إطار من الإثارة والمغامرة، إذ يجمع نخبة من نجوم الإثارة في هوليوود.
وبحسب القصة تكلف فرقة من المرتزقة بمهمة في جزيرة وهمية تقع بأميركا الجنوبية، وبعد السفر يفاجأون بحقيقة الصراع هناك وتتغير خطتهم بعد أن يتعرضوا للخيانة، ويشتمل الفيلم على بعض اللمحات التي تضع العصابة في اختبار أخلاقي بعد أن يجدوا أنفسهم في صراع بين النجاة بأنفسهم أو العودة لإنقاذ السكان.
الطبيعة البشرية وصراع الحرب بالوكالة
أيضا تعرض المخرج كريستوفر نولان في الفيلم الخيالي «Tenet 2020» (عقيدة) إلى هذا المفهوم، إذ قام ببطولة الفيلم عدد من أبرز مشاهير السينما العالمية، بينهم روبرت باتنيسون وجورج ديفيد واشنطن، فيقوم المرتزقة بخطف العميل المكلف بمهمة تتداخل فيها الأزمنة من أجل منع نشوب حرب عالمية ثالثة، واللافت أن الأحداث الرئيسة تدور في العاصمة الأوكرانية كييف، ومن أطراف صراعها أيضاً تاجر سلاح روسي يسيء معاملة زوجته.
التلاعب بالأزمنة أيضاً كان أساس فيلم «The Old Guard» (الحرس القديم) الذي عرض في العام نفسه، وتحكي قصته مجموعة من المرتزقة الخالدين الذين يذهبون لإنقاذ مجموعة من الأطفال في جنوب السودان، لكن لا تنتهي الأمور على خير، فيقتلون ولكنهم يعودون للحياة مجدداً، والفيلم بطولة تشارليز ثيرون وإخراج جينا برنس بيثوود، ولم يخل العمل من استعراض الصراع النفسي الذي يعيشه أبطال الفرقة، فيما حاول بطل فيلم «The Mercenary 2021» النجاة بنفسه بعد أن كان على وشك الموت في إحدى مهماته كمرتزق، وهي المهنة التي احترفها بعد أن كان جندياً، ولكنه فشل إذ إن ماضيه ظل يطارده، فيضطر للعودة إلى عالم الخطر مجدداً.
عالم المرتزقة سينمائياً يتحكم فيه الخيال بشكل كبير، ولكن هناك خط أساس يفرض نفسه بقوة، وهو الجانب الإنساني في حياة من توكل إليهم تلك المهمات، إذ تتبدل أفكارهم ويصابون بأزمات نفسية بسبب الأخطار التي يواجهونها والتورط في نزاعات لا تعنيهم، لكن بالطبع تبدو الحقيقة الواقعية أكثر قسوة بكثير مما تعرضه الشاشات.