عصام زكريا
في 18 إبريل 2018 افتتحت المملكة السعودية أول دار عرض سينمائي، بعد عقود من حظر السينما وفنون أخرى.
هذا اليوم التاريخي في ذاكرة السينما السعودية، لم يكن سوى بداية إعلان واعتراف بدور السينما وأهميتها وإشارة انطلاق لمئات من الشباب السعوديين من صناع الأفلام والراغبين في تعلم صناعتها، ودعوة مفتوحة لعشرات من المستثمرين داخل المملكة وخارجها ليقبلوا على صناعة السينما والدراما من دون وجل أو تردد، ولعشرات غيرهم من صناع الأفلام في العالم للذهاب إلى السعودية للبحث عن موقع تصوير أو موضوع تدور أحداثه في المنطقة، وفقا لما ذكر موقع الشرق بلومبيرغ.
هذا ما حدث بالفعل خلال السنوات الثلاث التالية، لدرجة أن من يرى النشاط السينمائي في المملكة الآن، من بناء دور عرض وإقبال الجمهور عليها، ومن إنشاء مؤسسات وشركات وانتاج أفلام ودعم مشروعات ودورات تعليمية ومهرجان دولي سنوي، قد يتصور أن عمر السينما في المملكة عدة عقود لا سنوات معدودة.
شاهد ونتفليكس
يمكن ملاحظة «الثورة» التي حدثت في السينما السعودية خلال السنوات الماضية، عبر عدة منافذ منها الأفلام السعودية التي تعرض على منصتي «شاهد» و«نتفليكس»، أو الأفلام التي عرضت خلال المهرجانات السينمائية العربية، مثل «الجونة» و«القاهرة».
بالإضافة إلى الأفلام السعودية الكثيرة التي عرضت خلال دورات مهرجان أفلام السعودية الذي عقد لأول مرة في 2015 ونظمته الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون بالدمام، ومركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء)، ويحتفل هذا العام بدورته الثامنة، وهو المهرجان الذي شهد مولد عدد كبير من السينمائيين الشباب، بجانب كونه اعتراف رسمي بالسينما وتشجيع للعاملين بها، وهي الفكرة التي نمت وتطورت إلى إقامة مهرجان دولي كبير، هو مهرجان البحر الأحمر، الذي كان يفترض أن تقام دورته الاولى في 2020، وحالت جائحة كورونا من إقامتها، ولكن أقيمت فعالياتها من 6 إلى 15 ديسمبر 2021، وشهدت حضوراً قوياً للأفلام السعودية القصيرة والطويلة.
مع ذلك مخطئ من يتصور أن السينما في السعودية لم تكن موجودة قبل 18 إبريل، فالحقيقة أنه على الرغم من كل الظروف المعاكسة كان هناك على مدار العقدين الأخيرين صناع وصانعات أفلام شباب خارج المملكة وداخلها، بعضهم استمر وبعضهم توقف أو انتقل إلى التلفزيون أو أعمال أخرى.
ولو رجعنا إلى الماضي أكثر، فالسينما كانت موجودة في السعودية منذ ثلاثينيات القرن الماضي سواء كدور عرض أو انتاج لبعض الأفلام، إلى أن صدر منعها بعد 1979 لأسباب يطول شرحها، وخلال تاريخها، ما قبل 2018، يمكن أن نرصد ما يقرب من 300 فيلم سعودي قصير، وأكثر من 10 أفلام روائية طويلة.
ولكن قبل أن نتطرق لماضي ومستقبل السينما في المملكة، يجدر بنا أن نٌلم ببعض الحقائق والأرقام المتعلقة بحاضر السينما في السعودية، والتي أستقي معظمها من تقارير وإحصائيات رسمية.
الشباب والسينما
مبدئياً، فإن السعوديين ليسوا منقطعين عن الوسائط البصرية أو الأفلام كما يتصور البعض، بل هم من أكثر الشعوب استخداماً لموقع يوتيوب والوسائط الإعلامية الأخرى.
ويشكل الشباب تحت سن الثلاثين 70% من تعداد السكان في المملكة، وكثير من هؤلاء الشباب لديهم إلمام ملحوظ بعلوم الكمبيوتر والتقنيات الحديثة.
وكثير منهم خارج وداخل المملكة يرغبون في العمل في السينما، وبعضم تلقى تعليماً عالياً في كليات ومعاهد السينما بالخارج وعادوا، أو يرغبون بالعودة لعمل أفلام في السعودية.
وعلى مدار العقدين الماضيي قام عدد كبير من هؤلاء الشباب بصنع أفلام قصيرة ووثائقية وتحريك وبرامج لبثها عبر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وبعضهم لجأ إلى مسلسلات الإنترنت المعروفة باسم «webisode».
وعلى الرغم من فتاوى التحريم التي كانت تطارد السينمائيين الشباب، إلا أن بعضهم نجح في إنتاج أفلام قصيرة أو طويلة شارك بعضها في مهرجانات خارج المملكة، ربما كان أهمها مهرجان معهد العالم العربي في باريس (الذي استمر بمعدل دورة كل عامين من نهاية التسعينيات حتى 2006 قبل أن يتوقف) ثم المهرجانات السينمائية التي كانت تقام في الإمارات، ولا بد من ملاحظة الارتباط الوثيق بين دول الخليج خاصة الإمارات والسعودية في ما يتعلق بالسينما (ومجالات أخرى بالطبع).
الرواد الجدد
كانت البداية مع أسبوع «أفلام من الخليج» الذي نظم في الإمارات لعدة سنوات مع مطلع الألفية، ثم مهرجان «دبي السينمائي الدولي» الذي انطلق 2004، ثم مهرجان «أبو ظبي الدولي» الذي بدأ 2007، وفي العام التالي انطلق «مهرجان الخليج» المخصص للسينما الخليجية.
وللأسف توقفت المهرجانات الثلاثة بعد عدة سنوات (بدأت فعاليات ثقافية سينمائية أخرى في الشارقة والعين)، ولكن يمكن القول إن هذه المهرجانات، مع مهرجان معهد العالم العربي، ثم بعض المهرجانات العربية الأخرى التي تقام في أوروبا أو العالم العربي، كانت الحاضنة الأساسية لجيل الرواد الجدد من صناع السينما في السعودية مع بداية الألفية الثالثة.
داخل السعودية كان الأمر مختلفاً، فحتى سنوات قليلة مضت لم يكن مسموحاً للنساء بقيادة السيارات، وكانت وجوه النساء تغطى في الإعلانات، ولم يكن مسموحاً بعرض الأفلام أو حفلات الغناء، إلى آخر التحريمات التي كانت تٌفرض رسمياً، ولكن بالطبع لم يكن ممكناً منع الناس من مشاهدة الأفلام أو سماع الموسيقى عن طريق الوسائل التكنولوجية الحديثة، خاصة بعد ظهور الإنترنت والهواتف الذكية.
وفي منتصف 2009 حدث شيء مهم وهو إقامة عرض سينمائي لفيلم سعودي طويل بعنوان «مناحي» داخل أحد المراكز الثقافية بالرياض، وعلى الرغم من أن العرض اقتصر فقط على الرجال والأطفال حتى سن العاشرة فقط، إلا أنه أثار بعض الاعتراضات من ناحية، كما أثار حماس الآلاف، إن لم يكن مئات الآلاف من الشباب المتطلعين لمزيد من الانفتاح والواقعية.
ويمكن القول إنه خلال السنوات التسع الفاصلة بين عرض فيلم «مناحي» وعرض فيلم «Black panther» الأميركي في دار عرض متخصصة ومتطورة، قد شهدت تغيرات كبيرة في ثقافة معظم السعوديين ونظرتهم للعالم.
وضمن خطة 2030 التي وضعها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، لإجراء عدد من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، تم إنشاء هيئة الترفيه في 2016، وأنشئ مركز للرياضة والثقافة والترفيه في الرياض، وأقيم أول حفل موسيقي في 2017.
وفي 2018، سُمح بإنشاء وتشغيل دور العرض السينمائي، وأقيم أول عرض سينمائي في البلاد لفيلم «الفهد الأسود – Black Panther» في دار عرض تابعة للشركة الأميركية «AMC»، التي تعاقدت مع الحكومة السعودية لإنشاء سلسلة من دور العرض، وتبعها شركات أجنبية وإقليمية مثل «Vox» و«IMAX».
وهناك الآن أكثر من 50 دار عرض سينمائية في أنحاء المملكة، وبإحصاء عدد الشاشات ودور العرض العاملة بالفعل في نهاية ديسمبر 2021، وجدنا أنها وصلت إلى 430 شاشة عرض، وحسب الخطة يتوقع أن يرتفع العدد إلى 350 دار عرض و2500 شاشة بحلول 2030.
ورش تدريبية
بالتزامن مع إنشاء دور العرض والسماح بمشاهدة وصنع الأفلام، بدأت بعض الجامعات في تدريس السينما والفنون البصرية، كما أقامت وزارة الثقافة السعودية ورشاً ودورات تدريبية في فن التحريك وعناصر السينما الأخرى، كما تم إرسال بعض الطلبة إلى فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا لحضور ورش عمل ودورات تدريبية وزيارات ميدانية لاكتساب المهارات والخبرات.
وفي استطلاع موسع عن إمكانيات ومستقبل السينما في السعودية أجراه معهد «نورديستي Nordicity» البريطاني تقابلنا عدة حقائق، منها أن معظم السعوديين يحبون السينما، وثلثا السكان الذين لديهم إنترنت يشاهدون على الأقل فيلما كل أسبوع على أجهزتهم.
وحسب الاستطلاع الذي أجري مع عدد كبير من المواطنين، تبين أن 67% من مشاهدي الأفلام في المملكة يفضلون أن يشاهدوا أفلاما سعودية تتناول ثقافتهم وحياتهم، كما بين أن 88% منهم يشاهدون أفلاما عربية، بينما 35% فقط يشاهدون الأفلام الناطقة بالإنجليزية.
وفيما يتعلق بالأنواع الفنية المفضلة، أظهر الاستطلاع أن جمهور الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يفضل «الأكشن والمغامرات» بنسبة 35%، يليه الكوميدي ثم الأفلام المصرية القديمة ثم الدراما والأفلام العاطفية ثم الأطفال، فإن الأمر يختلف قليلاً في السعودية حيث يفضل معظم الجمهور يفضل الدراما بنسبة 33% يليه «الأكشن والمغامرات» بنسبة 25% ثم الأفلام المصرية القديمة بنسبة 6% ثم الرعب والتشويق بنسبة 5% ثم العائلي والأطفال بنسبة 3%.
الجمهور ودور العرض
وفيما يتعلق بوسائط مشاهدة الأفلام، تبين أن السوق السعودي يعتمد على اسطوانات «الدي في دي» بشكل رئيسي ثم المشاهدة على المنصات الرقمية، كما يبين الاستطلاع أن السعوديين من أكثر الشعوب مشاهدة للأفلام على الإنترنت، حيث 64% من السعوديين يشاهدون مقاطع فيديو على الإنترنت يوميا، منهم 49% يشاهدون الأفلام.
ومع الزيادة التي تشهدها دور العرض السينمائي في المملكة حاليا، فإن نسبة كبيرة من هذا الجمهور تتوجه لمشاهدة الأفلام في دور العرض.
وفي مجال صناعة السينما بين الاستطلاع وجود إمكانية كبيرة جدا لوجود صناعة سينما، لأسباب عدة منها ارتفاع GDP (إجمالي الناتج المحلي)، الذي يصل لنحو 300 مليار دولار سنويا، ومنها ارتفاع حجم الطلب على الأفلام ووجود سوق محتمل كبير أمام هذه الصناعة.
كشف الاستطلاع أيضا أن هناك سوق محتمل للأفلام الوثائقية والتحريك، وكذلك الأعمال التي تعتمد على المؤثرات الخاصة والتقنيات المتقدمة، وذلك بفضل توفر هذه التقنيات في الاستديوهات الموجودة بالسعودية، رغم أن هذا النوع يحتاج إلى مزيد من الاستثمارات بسبب تكلفته العالية.
مواهب شابة
وحسب موقع «Dodona» المتخصص في رصد حالة أسواق السينما في العالم فإن قطاع كبير من الاستثمارات في المنطقة تتجه حاليا نحو السعودية، سواء لإنتاج أفلام سعودية أو عربية أو أجنبية.
وفي استطلاع «نورديستي» فإن أهم المزايا التي تتمتع بها صناعة السينما في السعودية هي توفر المواهب والفنيين الشباب، وأظهر الاستطلاع أن 422 من صناع السينما وطلابها معظمهم من الشباب تحت الثلاثين (ما يتناسب مع تعداد السكان بشكل عام)، معظمهم شركات صغيرة وأفراد.
وتتركز صناعة السينما في 3 مدن رئيسية: الرياض في المركز وجدة غرباً وما حولها، والدمام في الشرق، مع قليل من المدن الأخرى، وهو ما يعني وجود توزيع جغرافي متنوع.
وبالنسبة للدولة فهي تشجع وتشرف على صناعة السينما عبر عدة مؤسسات هي: مشروع رؤية 2020، ووزارة الثقافة، والهيئة العامة لوسائل الاعلام المرئية والسمعية، ووزارة التعليم، وهيئة الأفلام.
تعمل هذه الهيئات التي خصصت لها الدولة ملايين الدولارات على أكثر من محور، أولها دعم بناء دور العرض السينمائي باعتبارها ركيزة أي صناعة سينمائية، ومن العجيب أن السينما السعودية، على عكس معظم بلاد العالم، كانت حتى 2018 لديها صناع أفلام وأفلام وجمهور ولكن ليس لديها دور عرض سينمائي.
بلوغ وقوارير
المحور الثاني هو التعليم والتدريب ودعم انتاج الشباب، وقد شهدنا مؤخراً فيلمين جماعيين من نتاج ورش التعليم هذه هما «بلوغ»، الذي افتتح فعاليات مسابقة الأفلام العربية في مهرجان القاهرة الأخير 2021، وهو يتكون من عدة أفلام قصيرة لعدد من المخرجات، يضمها موضوع وفكرة واحدة مترابطة.
الفيلم الثاني هو «قوارير» الذي يتكون أيضا من عدة أفلام قصيرة يربطها فكرة واحدة لعدد من المخرجات الشابات.
هناك أيضا الدعم الذي يقدمه مهرجان البحر الأحمر في دورتيه ( المؤجلة، والتي أقيمت بالفعل)، والذي يخصص نصفه للأفلام العربية ونصفه للأفلام السعودية، والذي ساهم في إنتاج عدد من الأفلام الطويلة والقصيرة.
ولا يجب أن نغفل أيضا عن قطاع مهم من السينما السعودية وهو الشباب الذين يتعلمون السينما في الخارج (معظمهم في أميركا وأوروبا) الذين يصنعون أفلامهم خارج المملكة، وعلى سبيل المثال شهدت الدورة الأولى من مهرجان البحر الأحمر عدداً من هذه الأفلام، منها فيلم «تمزق» للمخرج حمزة جمجوم الذي حصل على جائزة أفضل فيلم سعودي في المهرجان ونال إعجاب الكثيرين.
وعلى الرغم من سنوات المنع الطويلة التي تعرضت لها السينما في السعودية، فإن ذلك لا يعني انقطاع الصلة تماما بين السعوديين والفن السينمائي، أو عدم ظهور تجارب ومحاولات متفرقة ومتنوعة من قبل سعوديين عشقوا السينما وأرادوا أن يعملوا في مجالها.
من أبرز هذه الأسماء المخرج والمؤلف «عبد الله المحيسن»، الذي يعد من أوائل السعوديين الذين عملوا بالسينما كمحترف.
المحيسن المولود في 1947 تعلم السينما في بريطانيا وعاد إلى السعودية في 1975، ليؤسس شركة للدعاية والإعلان وأخرى للتصوير السينمائي، حيث صنع فيلماً وثائقياً عن تطوير مدينة الرياض.
وتبعه في العام التالي بإخراج الفيلم الوثائقي القصير «اغتيال مدينة»، ويصور هذا الفيلم الذي يمكن مشاهدة مقاطع منه على اليوتيوب، بدايات الحرب الأهلية في بيروت، وعُرض في 1977 بمهرجان القاهرة السينمائي الثاني، وفاز بجائزة نفرتيتي الفضية لأفضل فيلم قصير.
إغلاق دور العرض
ويروي عبد الله المحيسن، أن الملك الراحل فهد بن عبد العزيز شاهد فيلمه «اغتيال مدينة»، وتأثر به وسمح للمحيسن بعرضه في أي مكان يريد، مع ذلك حملت السنوات التالية عواصف عاتية أدت إلى إغلاق كل دور العرض ومنع تصوير الأفلام في المملكة.
وسرعان ما انهارت التجربة التي بدأها المحيسن ليتجه إلى العمل في التلفزيون، إذ أسس أول وحدة للنقل الخارجي المباشر في السعودية، وصنع عدداً من المسلسلات والأفلام الوثائقية.
كان التلفزيون ملاذاً لكثير من صناع الأفلام في الخليج، سرعان ما وجدوا فيه مكاناً آمناً يحققون فيه بعض أحلامهم، وكان على المحيسن أن ينتظر حتى 2006 ليصنع فيلمه الروائي الطويل الأول وهو «ظلال الصمت».
الذباب
هل عبد الله المحيسن أول سينمائي سعودي، وهل «ظلال الصمت» هو أول فيلم روائي سعودي؟
هناك أفلام ووجهات نظر أخرى، في 1950 صنعت شركة «أرامكو» السعودية فيلماً دعائياً بعنوان «الذباب» يحذر من انتشار الأمراض القاتلة بسبب الحشرات.
وشارك في هذا الفيلم صبي سعودي اسمه حسن الغانم، الذي يعد، بشكل ما، أول ممثل سينمائي سعودي، كما يعد «الذباب»، بشكل ما، أول فيلم سعودي من ناحية أنه صور في المملكة وتناول موضوعا محلياً، رغم أن الإنتاج وفريق العمل ليسوا سعوديين.
في 1966 قدم المخرج سعد الفريح فيلماً روائياً قصيراً بعنوان «تأنيب ضمير». والفريح، مثل المحيسني، من رواد التليفزيون والأفلام الوثائقية في السعودية.
في 1980 أخرج المصري نيازي مصطفى مسلسلاً من 7 حلقات للتلفزيون السعودي بعنوان «موعد مع المجهول»، تم تصويره بكاميرا السينما، وشارك في تمثيله سعد خضر ومطرب فواز وهالة نيازي، ويبدو أنه تم دمجه بعد ذلك على شراط فيديو وتوزيعه كفيلم سينمائي.
وعلى أية حال، يقال إن عدد الأفلام السعودية منذ النشأة وحتى 2017 بلغ نحو 300 فيلم قصير، معظمها تغطيات أو دعائيات وثائقية تليفزيونية.
ظلال الصمت وكيف الحال
بالعودة إلى 2006، العام الذي صدر فيه فيلم «ظلال الصمت» لعبد الله المحيسن، سنفاجأ بوجود فيلم روائي طويل آخر، ينازع «ظلال الصمت» على لقب أول فيلم سعودي روائي طويل، إنه فيلم «كيف الحال» من إخراج إيزادور مسلم، عن سيناريو للمصري بلال فضل وتمثيل هشام الهويش وفاطمة الحوسني وميس حمدان.
كل من «ظلال الصمت» و«كيف الحال» يعكسان تيارين يتجاذبان السينما السعودية إلى الآن. في «ظلال الصمت» يعالج المحيسني قضية وطنية تحمل الهمّ العربي الذي أعرب عنه قبل 30 عاماً في فيلمه الأول «اغتيال مدينة»، وفي الوقت ذاته يحاول تقديم لغة سينمائية رصينة تتناسب مع موضوعه.
«كيف الحال» على العكس فيلم يتمسك باللحظة الراهنة، ويعالج هموم الشباب الذي يسعى لعيش حياة عصرية. إذ يمارس الشاب الفن وحيث تعمل الفتاة وتحقق ذاتيتها، في مواجهة التيار المتشدد الذي يمارس الضغوط لإبقاء الأوضاع على ما هي عليه.
هيفاء المنصور
من الأسماء التي لا يمكن إغفالها أيضاً في تاريخ السينما السعودية هيفاء المنصور، وهي بالتأكيد أول سعودية تحترف صناعة الأفلام منذ نهاية التسعينيات، حين صنعت فيلمها القصير الأول«من؟» في 1997.
ومن أبرز أفلامها الفيلم الوثائقي «نساء بلا ظل» (2005)، الذي شارك وفاز في عدد كبير من المهرجانات الدولية والعربية، والذي يعرض ويناقش أوضاع المرأة في السعودية في ذلك الوقت.
أثار الفيلم ضجة كبيرة ونالت المنصور نصيبها من الاتهامات والهجوم من قبل المتشددين، والحق أنها كانت شجاعة ومثلت نموذجاً لصانعات وصناع الأفلام والمرأة بشكل عام في السعودية، وكسرت حواجز عقود من الصمت وتحريم الأفلام، وأعتقد أن عشرات، وربما مئات، الفتيات السعوديات اللاتي يعملن بالسينما الآن يدن بالفضل لجهود وشجاعة هيفاء المنصور.
هيفاء المنصور هي أيضا صاحبة أول فيلم روائي طويل يصل باسم السعودية إلى حلبة التسابق على الأوسكار، وهو فيلمها الروائي الطويل الأول «وجدة» الذي صور في الرياض عام 2012.
يروي الفيلم قصة فتاة صغيرة ترغب في ركوب الدراجات كالأولاد، والعقبات التي تواجهها في سبيل تحقيق أمنيتها في بلد ممنوع فيه على النساء قيادة سيارة (قبل صدور قرارات السماح للنساء بقيادة السيارات في 2018).
من الأوسكار إلى فينيسيا
في 2019 قدمت المنصور فيلمها الروائي الثاني الذي حمل اسم «المرشحة المثالية»، وفتاة الدراجة أصبحت هُنا طبيبة، تعتمد على نفسها، تقرر أن ترشح نفسها في الانتخابات البلدية، في بلد لم يكن يعترف بحق المراة في التصويت في ذلك الوقت (حيث لم يعترف بذلك الحق إلا في 2015)، والفيلم مثل المملكة في المسابقة الرسمية لمهرجان فينيسيا الدولي، ليصبح أول فيلم سعودي يصل إلى هذه الدرجة.
ما بين فيلمي المنصور، صدر فيلم سعودي لا يقل أهمية في مسيرة السينما السعودية المعاصرة وهو فيلم «بركة يقابل بركة» إخراج وتأليف محمود صباغ، الذي مثل السعودية في سباق الأوسكار ليصبح ثاني فيلم ينال هذا الشرف، بجانب مشاركته في عدد كبير من المهرجانات الدولية.
«بركة يقابل بركة» يروي قصة حب تدور في جدة بين ممثل مسرحي شاب وفتاة تهوى نشر فيديوهات على إنستجرام، والعقبات التي تقف في سبيل هذا الحب، في المجتمع وسبل اللجوء للتحايل.
الفيلم بطولة هشام فقيه وفاطمة بنوي، التي أصبحت هي نفسها مخرجة، وقدمت فيلمها القصير الأول ضمن الفيلم المشترك «بلوغ» الذي شارك في مهرجاني القاهرة والبحر الأحمر الماضيين.