سوليوود «متابعات»
هذا كان آخر فيلم أنجزه كينجي ميتزوغوتشي في حياته (94 فيلماً). ليس أفضل أعماله، لكنه أحد تلك المهمّة في كل الأحوال، وذلك لأسباب تتعلّق بأسلوب عمله، فنياً، وبذلك الاهتمام لنقل نبض الحياة كما هي وعلى نحو صادق، بحسب ما أفاد موقع صحيفة الشرق الأوسط.
بممارسته لأسلوبه في العمل والتقاط الموضوع الاجتماعي وتطرّقه إلى قصّة قام بتحقيقها (عن رواية ليوشيكو شيباكي) قبل سنة أو نحوها من قيام الحكومة اليابانية بإصدار قانون يمنع بيوت الدعارة في البلاد. شيباكي كاتبة قصص قصيرة وروايات شهدت شهرة محلية وبعض رواياتها دارت حول المومسات، ومنها هذا العمل الذي حاكته عندما بدأ البرلمان الياباني طرح مسألة إغلاق بيوت الهوى ومناقشة هذا الموضوع على أساس ردات فعله إيجابياً وسلبياً.
يمهّد الفيلم بالقول إن تاريخ أسواق الحريم اليابانية يعود إلى 300 سنة وتم تعزيز وجودها عندما أم الجنود الأميركيون طوكيو بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. ميتزوغوتشي يعرض ولا ينتمي أو يتحزب لقرار. لا موقف له في الظاهر، لكن إذ يسرد حكايات تلك المجموعة من النساء العاملات في أحد بيوت الدعارة، تراه يتحسس مشاكلهن ورغباتهن ويتعاطف معهن. بذلك هناك بعض المواقف العاطفية المسرودة بواقعية لكن على نحو من يريد توظيفها لطرح السؤال حول بطلاته وما سيؤول إليه وضعهن حال إغلاق أماكن عملهن، علماً بأن بعض هؤلاء النساء يكشفن عن مخاوفهن حيال بلوغهن سنّاً متقدّمةً ورغبة بعض آخر بالزواج والبحث عن وظيفة لائقة.
يسرد المخرج فيلمه بانتقال متواصل حكاية كل واحدة منهن مع واقعها المُعاش: ياسومي (أياكو واكاو) فتاة شابّة تدّعي حبها لرجل ثري لكي تكوّن لنفسها ثروة صغيرة قبل إغلاق المكان. هاناي (ميشيكو كوغوري) متزوّجة وعليها أن تواصل تأمين الحياة لزوجها المريض وطفلهما. ميكي (ماشيكو كيو) أكثرهن عبثاً وجرأة التي تحاول الحفاظ على مهنتها بأي وسيلة (بما في ذلك الخروج إلى الشارع لجذب الرجال العابرين). هناك كذلك يوميكو (أيكو ميماسو) التي لا تحاول تبرير ما تقوم به، بل تشعر بالخجل منه. الخامسة – ومن دون أي ترتيب يتولاه الفيلم – هي يوري (هيروكو ماشيدا) وهي امرأة تتقدّم بالعمر تطمح في الزواج من صديقها والإقلاع عن هذه المهنة. ما يشتركن به، لجانب عملهن، هو الخوف من الغد. وباستثناء ميكي، تحاول كل منهن الإفلات من مصير مظلم، حتى وإن لم يصدر القرار بإغلاق أعمالهن. سؤال المخرج (وربما سؤال الكاتبة قبله) هو ما الذي سيحدث لهؤلاء. والفيلم لا يحير جواباً بل يستعرض حالات.
الكاميرا في هذا الفيلم (تصوير كازاو مياغاوا الذي صوّر لأكيرا كوروساوا Rashomon سنة 1950) هي ما اعتاد المخرج عليها في مجمل أفلامه. على مستوى منخفض، بصرف النظر عن بعد الكاميرا عن الموضوع المصوّر. كذلك، يحفل بتلك المشاهد التي نرى فيها أشخاصاً يتابعون فيها أفعال أشخاص آخرين. شيء من هدم الخصوصيات التي تعيشها بطلات فيلمه في مهنة للعموم.
قبل هذا الفيلم بعامين أخرج ميتزوغوتشي «امرأة الشائعة» (Woman of Rumor) وفيه سرد حياة فتاة الغيشا التي هي مومس من رتبة اجتماعية أعلى. الفيلمان يكمّلان بعضهما بعضاً، لكنهما معاً ينتميان إلى أعمال عديدة حققها المخرج وفي البال وضع المرأة في المجتمع.
ولد ميتزوغوتشي سنة 1898 وتوفي مباشرة بعد تحقيقه هذا الفيلم. الغالب أن بعض التفاتاته لمعاناة اليابانيين العاديين عائد إلى أن حياته شهدت بدورها بعض تلك المعاناة، إذ وُلد في عائلة متوسطة الحال لكن هذا الحال اتحدر عندما غيّر والده عمله ولم يوفّق فاضطر لبيع إحدى ابنتيه لعائلة أخرى والأخرى بيعت لتصبح فتاة غيشا. أما كينجي فقد اضطر للتوقف عن تحصيل الدراسة وهو صغير. بعد ذلك، لازم كينجي الفراش مريضاً لنحو عام قبل أن يدخل مدرسة لتعلم الفن وينطلق منها وفي باله شيء واحد: أن يصبح مخرجاً. فيلمه الأول ورد سنة 1923 وكان «مغامرات أرسين لوبان» اقتباساً عن الشخصية الفرنسية الشهيرة.