سوليوود «متابعات»
في تاريخ حوادث الطيران العالمي، ستظل واقعة سقوط طائرتي بوينغ خلال 5 أشهر ما بين 2018 و2019 من أسوأ هذه الحوادث، ويزيد من قسوتها أنها جاءت نتيجة إهمال وجشع المسؤولين في شركة «بوينغ» وسعيهم المحموم نحو زيادة الأرباح ورفع أسهم الشركة في البورصة على حساب أي شيء، حتى لو كان أرواح مئات الركاب وفريق قيادة وضيافة الطائرتين، الذين فقدوا حياتهم جميعاً خلال سقوط الطائرتين.
السقوط: القضية ضد بوينج”، «Downfall: The Case Against Boeing»، هو عنوان فيلم وثائقي بدأت منصة «نتفليكس» في بثه منذ 18 فبراير، يتناول قصة سقوط الطائرتين وما أحاط بهما من خلفيات وأسرار سوداء.
يبدأ الفيلم بداية مثيرة حول تاريخ شركة بوينغ وسمعتها الممتازة في عالم الطيران، ومرور 2017 باعتباره من أفضل الأعوام في تاريخ الطيران العالمي، حيث لم يسجل حادث سقوط طائرة واحدة، ووسط صعود غير مسبوق لأسهم بوينغ في البورصة وتحقيقها أرباحاً خيالية.
لكن فجأة، ومن دون أي سبب منظور تسقط واحدة من أحدث طائرات الشركة، المعروفة باسم 737 ماكس، بعد دقائق من إقلاعها من إندونيسيا في 28 أكتوبر 2018، ليموت 189 إنساناً كانوا على متنها.
كان يمكن أن يمر الحادث دون كثير اهتمام، فلا أحد تقريباً خطر بباله أن العيب ربما يكون في الطائرة نفسها. ذلك أنها طائرة حديثة جداً، من طراز متطور جداً لأكبر شركة تصنيع طائرات على الكوكب، والشركة نفسها راحت عبر ممثليها تلقي باللوم على قائد الطائرة مثيرة عدداً من الاحتمالات الأخرى.
كان يمكن أن يمر الحادث دون كثير اهتمام، فلا أحد يعرف حقيقة ما حدث سوى عدد معدود في مكاتب الشركة نفسها، راحوا يحاولون تدارك الخطأ الجسيم الكامن في تصميم الطائرة على أمل أن يعالجوه قبل أن ينتبه أحد. ولكن بعد 5 أشهر، فجأة أيضاً، سقطت طائرة أخرى من الطراز نفسه بعد دقائق من إقلاعها في إثيوبيا، ليلقى كل ركابها حتفهم.
وللمرة الأولى بدأت أصابع الاتهام تتوجه نحو بوينغ نفسها، لتتكشف تدريجياً واحدة من أسوأ جرائم الشركات الكبرى.
بدأت بوادر الكارثة مع الدمج الذي حدث في نهاية التسعينيات بين شركتي «بوينغ» و«ماكدونيل دوجلاس» وتغيير قيادات الشركة القديمة، ومجيء رئيس مجلس إدارة ومدير تنفيذي كل همهما زيادة أرباح الشركة ورفع أسهمهما في البورصة على حساب أي شيء، حتى لو كان المخاطرة بأرواح الناس.
ووصل الصراع الدرامي إلى ذروته مع صعود الشركة المنافسة «إيرباص» وابتكارها طائرات جديدة موفرة للوقود، ما دفع المسؤولين في بوينغ إلى المسارعة بـ«ابتكار» طراز جديد منافس، تمثل في الطائرة 737 ماكس، التي تبين أنها مجرد تلفيق لطائرة قديمة، تعاني من عيوب تصميم قاتلة، الهدف الوحيد من صنعها هو الأرباح، مع توفير الوقت والجهد والمال اللازمين لصنع طائرة جديدة.
في مزيج محكم البناء من الحقائق التي توالت في الظهور بحسب السياق التاريخي والاقتصادي لما حدث، مع الاستعانة بشهادات الخبراء وشهود العيان من داخل شركة بوينج ومشاهد أسر الضحايا ومحاولاتهم لإجلاء الحقيقة وإرساء العدالة، والشرح المبسط والواضح للتقنيات المعقدة داخل الطائرة، تربط مخرجة فيلم «السقوط» روري كيندي كل هذه الخطوط في نسيج مشوق ومثير للمشاعر دون أن يفقد للحظة واحدة المسافة المحايدة التي تميز أي عمل وثائقي جيد.
من ضمن ضيوف الفيلم الطيار الشهير سالي سالينبرجر، الذي أنقذ طائرة كانت على وشك السقوط بركابها، وصنع عنه فيلم شهير بعنوان Sully، والصحفي أندي باستور من صحيفة «وولستريت جورنال» الذي كشف القضية وتابعها على مدى شهور إلى أن تمت إدانة شركة بوينغ ليس فقط بسبب التصميم الفاسد للطائرة، ولكن أيضاً بسبب الكذب ومحاولات تضليل هيئة الطيران الفيدرالي والرأي العام.
ينتهي فيلم «السقوط» بالتسوية التي تمت في 2021 بدفع بوينغ غرامات وتعويضات بقيمة 2.5 مليار دولار لأسر الضحايا، واستقالة مدير الشركة التنفيذي المسؤول عن الكارثة بعد حصوله على مكافآت بقيمة 62 مليون دولار، علماً بأن الشركة حققت مبيعات بقيمة 76.6 مليار في العام نفسه.. وهي أرقام تتحدث عن نفسها.