سوليوود «متابعات»
تحتشد هذه الأيام مجموعة من الأفلام الغنائية والموسيقية التي اصطلح على تسميتها بـ«ميوزيكالز». التسمية العربية التي اختيرت لهذا النوع من الأفلام سابقاً هي «الاستعراضية». هكذا وصفتها إعلانات أفلام موسيقية عربية (من صنع خمسينات القرن الماضي) على نحو «شركة أفلام… تقدّم الفيلم الاستعراضي الكبير». كمثال فقط كان هناك «الحب الكبير» بطولة فريد الأطرش (1968)، و«شارع الحب» بطولة عبد الحليم حافظ، و«أبي فوق الشجرة» مع عبد الحليم حافظ أيضاً (1969)، و«خلي بالك من زوزو» تمثيل سعاد حسني (1972)، من دون أن ننسى أفلاماً من بطولة صباح ومحرّم فؤاد ومحمد فوزي… إلخ.
وبحسب موقع الشرق الأوسط، الغناء في الأفلام العربية يتجاوز كثيراً عدد الأفلام الاستعراضية. في زمن مضى كان معظم ما يخرج من استوديوهات القاهرة وشركات السينما في لبنان يحتوي على أغنية واحدة ورقصتين على الأقل. لكن نتيجة كل ذلك، أنّ الأفلام الاستعراضية والموسيقية العربية اختفت. ولهذا الاختفاء علاقة متينة بحقيقة هبوط مستوى المطربين الحاليين وانتشار الأغاني على النت وشاشات التلفزيون وغياب الرغبة في استعادة أيام السينما الذهبية.
ثلاثية مختلفة
في الغرب، وفي هوليوود أكثر من سواها، أفلام الغناء والاستعراض ما تزال موجودة ومتوفرة من عام لآخر. لم تتوقف منذ أن فاز «برودواي ميلودي» بأوسكار أفضل فيلم سنة 1930. حينها كانت السينما تعلّمت النطق والنتيجة الأولى بعد ذلك كانت فورة من أفلام الميوزيكالز استمرت لمعظم الثلاثينات والأربعينات. بعضها نال أوسكارات. بعضها نال ترشيحات وبعضها لم ينل شيئاً.
هذا الوضع هو ذاته إلى اليوم، خصوصاً مع اقتراب ترشيحات الأوسكار، علماً بأن بعض الأفلام الموسيقية تُطرح للتوزيع في الأشهر السابقة كذلك.
هذا العام مثلاً تم توفير In the Hights لجون م. شو في الشهر الخامس من السنة، وفي منتصف شهر أغسطس (آب)، طُرح فيلم Respect لليسل تومي، تلاه عن كثب، نسخة جديدة من حكاية «سندريللا» لكاي كانون. وفي الفترة ذاتها شاهدنا Summer of Soul لأمير تومسون.
هذه ليست أفلاماً مجتمعة في بوتقة واحدة. «إن ذا هايتس» (و«ذا هايتس» هو حي في مدينة نيويورك اسمه واشنطن هايتس)، هو اقتباس عن مسرحية نالت جائزة توني سنة 2008 تدور حول حي تسكنه غالبية من اللاتينيين ينبري كثيرون منهم للرقص في شوارع الحي الضيقة.
«احترام» هو سيرة حياة المغنية أريثا فرانكلين، والعنوان مشتق من أحد أشهر أغانيها. أما «صيف الصول» فهو تسجيلي عن «وودستوك» في حي هارلم أقيم في الستينات لكن الإعلام، يؤكد الفيلم، لم يسعَ لتغطيته.
شهر بعد شهر، إثر هذه الأفلام، تزدحم أفلام هذا النوع أكثر فأكثر لعلها تبقى في الذاكرة مع اقتراب موعد موسم الجوائز. ليس أنّ منتجيها لن يوزّعوا آلاف الأسطوانات (سكرينرز) على كل عضو لجنة أو جمعية أو مؤسسة ستنتخب أفضل أفلام العام، بل زيادة في الحرص على الوجود وسط الموسم الساخن الذي يتضمن جوائز جمعيات النقاد المتعددة وجوائز جمعيات المهن السينمائية (الإخراج والتمثيل والإنتاج والكتابة والتصوير… إلخ) ومؤسسات الجوائز السنوية ذات التاريخ والحجم المدوّيين كـ«غولدن غلوبز» و«بافتا» – وبالطبع – «الأوسكار».
أفلام حاضرة
يبلغ عدد الأفلام الموسيقية التي عرضت خلال العام الحالي في صالات السينما 11 فيلماً. الثلاثة المذكورة أعلاه («إن ذا هايتس» و«احترام» و«صيف صول») تبدو الآن كما لو كانت توطئة لما سيلي. ومنذ سبتمبر (أيلول) وغالبية هذه الأفلام تتجمع تحت مظلة كبيرة مدركة أنّ فيلماً واحداً منها فقط (أو ربما فيلمين) سيصل إلى نهاية الشوط بنجاح. من بين هذه الأفلام:
Tick… Tick… Boom!
«تِك… تِك… بوم!» مع أندرو غارفيلد وفينيسيا هدجنز في البطولة ومن إخراج لين – مانويل ميراندا. هو في الأصل مسرحية مستوحاة من أوبرا وضعها جياكومو بوتشيني عنوانها «البوهيمي». استنساخ الفكرة من الأصل إلى المسرح ومنهما إلى السينما لم يقض على الحبكة: فنان موسيقي سيحتفي بعد ساعات قليلة بعيد ميلاده الثلاثين. مناسبة لمراجعة أحلامه وما حققه منها وما زال غير محقق.
Annette
هذا الفيلم الفرنسي شهد عرضه الأول في مهرجان «كان» في أغسطس الماضي. ملهاة غنائية عاطفية من إخراج ليوك كاراكس وبطولة ماريون كوتيار وآدم درايفر. الجميلة والوحش كما يمكن تسميتهما، نظراً لأنّ درايفر هو الاختيار السيء هنا كمغنٍ، وليس كثير موهبة كممثل أيضاً. حكاية عاشقين، هي مغنية وهو كوميدي مسارح. هي تصعد وهو ينزل (كما الحال في «مولد نجمة») يرزقان بفتاة تغني من يومها الثاني ويختار لها المخرج أن تكون دمية.
West Side Story
إعادة صنع للفيلم الكلاسيكي المعروف (1961)، الذي حققه روبرت وايز حول عصابتين من شباب الحي واحدة لاتينية، والأخرى بيضاء تتنافسان على السيادة من ثمّ تتواجهان بعدما وقعت نتالي وود في حب جورج شاكيرس. هذا في النسخة الكلاسيكية التي تتميّز بتصاميم راقصة رائعة إلى اليوم. النسخة الجديدة يديرها ستيفن سبيلبرغ ويمنحها لمعة العصر الحالي، لكنّ مشاهدة الفيلم وحدها هي التي ستقرر مدى جودته.
Sing 2
هذا فيلم أنيميشن عن مجموعة من الحيوانات الظريفة التي تتنافس في حلبات غناء. النقاد لم يكترثوا كثيراً له، لكن هذا لا يعني أنّ الباب مغلق الآن عليه لدخول حلبة الأوسكار (سجل كذلك أكثر من 600 مليون دولار عالمياً). ربما سيدخل الأوسكار لكن ليس كأفضل فيلم بل كأفضل فيلم أنيميشن وكأفضل أغاني.
أوسكارات غنائية
في الواقع الأوسكار ليس غريباً عن أفلام الميوزيكالز والعكس صحيح. بعد «برودواي ميلودي» (الذي كان يستحق أوسكار أسوأ فيلم وليس أفضله)، منحت الأكاديمية أوسكارها سنة 1937، إلى فيلم آخر لم يكن بدوره أفضل الأعمال المتنافسة وهو «زيغيلد العظيم» لروبرت ليونارد.
بعد ذلك، في سنة 1944، ذهبت سبعة أوسكارات لفيلم من ساعتين عنوانه «ذاهب في طريقي» (Going My Way) للمخرج ليو مكّاري. فيلم جيّد حينها، والآن يبدو مترهلاً من بطولة بينغ كروسبي وباري فيتزجيرالد.
في سنة 1951 حصد «أميركي في باريس» لفنسنت مينيللي أيضاً، سبعة أوسكارات كأفضل فيلم وأفضل تصوير وأفضل تصميم وديكور لفيلم ملوّن، وأفضل تصميم ملابس، وأفضل موسيقى، وأفضل توليف، ثمّ أفضل مؤثرات خاصة، لكن مخرجه أخفق في نيل الأوسكار هذه المرّة.
حظ مينيللي كان أفضل سنة 1959. عندما نال أوسكار أفضل إخراج عن فيلمه «جيجي»، الذي أنجز كذلك أوسكار أفضل فيلم. قصّة فتاة شابة (لسلي كارون) على وشك قبول دخول بيت للمومسات قبل أن ينبري شاب (لويس جوردان) بإنقاذها بعدما وقع في حبها.
تكاثرت الأفلام الموسيقية في الستينات إذ تلا ذلك، في عام 1962 (أي بعد عام من إنتاجه)، «وست سايد ستوري» الذي استوحى من مسرحية ويليام شكسبير مادته حول العاشقين، الذي ينتمي كل منهما لعائلة تسودها الكراهية صوب العائلة الأخرى. هذا الفيلم نال عشرة أوسكارات في كل خانة نافس فيها باستثناء خانة أفضل سيناريو.
عام 1965. كان عام My Fair Lady الذي خرج بثمانية أوسكارات بينها أوسكار أفضل فيلم وأفضل تمثيل (ركس هاريسون) وأفضل ممثلة (جولي أندروز).
تلاه بعد سنة واحدة «صوت الموسيقى»، فيلم صادح آخر بمادة هشّة قاد بطولتها جولي أندروز وكريستوفر بلامر.
والمخرج – الممثل كارول ريد أنجز «أوليفر» عن رواية تشارلز ديكنز بعدما حوّلها إلى مغناة من بطولة رون مودي وشاني ووليس وأوليفر ريد حصدت خمسة أوسكارات سنة 1969.
في عام 2003 عادت أفلام الميوزيكالز لدخول المسابقات وموسم الجوائز، فتقدّم الفيلم الناجح نقدياً وتجارياً، «شيكاغو» لروب مارشال، قاطفاً ستة أوسكارات من أصل 13 ترشيحاً.
بطبيعة الحال فإنّ عدد الأفلام الموسيقية – الاستعراضية التي لم تفز بجوائز الأوسكار الأساسية على الأقل، أكبر من تلك التي فازت. في سنة 2003 تقدّم Charlie and the Chocolate Factory لتيم بيرتون منافساً، لكنه خرج بخفي حنين. Sing، الجزء الأول من Sing 2 الحالي، أخفق في سباق الأوسكار سنة 2017. وقبله في الستينات الصادحة لم يفز Chitty Chitty Bang Bang بما تمناه وأخفق في دخول أوسكار أفضل فيلم أو في دخول جوائز بافتا البريطانية المماثلة والـ«غولدن غلوبز» كذلك.
وأشهر الأفلام الحديثة التي دخلت الترشيحات فعلاً لكنها لم تحصد أفضل أوسكار، هو La La Land لداميان شازيل. هذا نافس فعلاً في 14 مجالاً وخرج بستة أوسكارات لكن لم يكن من بينها أوسكار أفضل فيلم.