شادن عصام الدين
تحدث الكاتب الشهير فيودور دوستويفسكي عن المقامر في روايته التي تحمل نفس الاسم، وتغلغل في هذا العالم، كاشفًا بذلك الدوافع والتركيبة النفسية لشخصية المقامر… فهل قامرت يومًا؟
قبل التسرع في الرد، عند الغوص في فلسفة القمار، نقارن ثلاثة نماذج للمقامرين قد تتشابه مع بعض القصص اليومية، فتجد معنا أن العالم الواقعي والدرامي يحوي في جعبته مقارنةً نموذجية، لتلك الفلسفة التي حللها دوستوفيسكي في روايته، ولكن يبقى السؤال هنا: على ماذا قد تقامر؟
الأول: شهوة الربح تتحكم فيه
Charlie’s Wilson War
حصل هذا الفيلم على تقييمٍ عالٍ بـ 7/10 IMDB، و 82% «Rotten Tomato»، حيث تستند هذه الكوميديا السوداء إلى أحداث حقيقية في حياة عضو الكونغرس الديمقراطي عن ولاية تكساس تشارلي ويلسون، الذي اشتهر بولعه بالنساء والويسكي، وربما المخدرات الترفيهية في بعض الأحيان.
لقد تبنى هذا الرجل قضية المجاهدين الأفغان بعد حدثين مهمين؛ الغزو الوحشي لذلك البلد من قبل الاتحاد السوفييتي في أواخر عام 1979 ولقائه مع جوان هيرينج، وهي فتاة جذابة للغاية مناهضة للشيوعية. يلعب توم هانكس دور تشارلي ويلسون، ودور جوان هيرينج أدته جوليا روبرتس.
هنا تظهر في الأفق مقامرة تشارلي وشهوة الربح، التي تتحكم فيه، على الاتحاد السوفييتي، فيدفع بأعداد طائلة من المال للمجاهدين الأفغان، تحت ذريعة مسميات واهية كبناء المدارس والدفع بالدواء للمواطنين الضعفاء المقهورين والاستثمار في كل ما هو إيجابي، بينما خلف هذا الستار، قدموا للمجاهدين الأسلحة والصواريخ للرد على الغارات الجوية من الاتحاد السوفييتي.
أعمت شهوة الربح على الاتحاد السوفييتي تشارلي، فتابع المقامرة بوضع مزيد من الرهونات علي المجاهدين الأفغان، وهكذا فختم الفيلم بقوله: «لقد أفسدنا اللعبة في النهاية» – كما لو أنه لن يكون هناك مشكلة على الإطلاق في تكديس أسلحة بمليارات الدولارات، في أيدي أمراء الحرب في آسيا الوسطى لمدة عقد إذا كان الأميركيون قد صنعوها.
الثاني: العاشق الولهان مجرورًا للمقامرة
Grace De Monaco
هو فيلم درامي عن سيرة ذاتية لـ جريس كيلي، زوجة أمير موناكو رينيه الثالث، صدر عام 2013 من إخراج أوليفييه دهان، حصل علي تقييم بـ 5.7/10 IMDb، و 9%«Rotten Tomato».
على الرغم من مخاوف زوجها (تيم روث)، تفكر جريس كيلي (نيكول كيدمان) في العودة إلى هوليوود لتمثيل دور البطولة، لكن الخلاف السياسي بين موناكو وفرنسا يجبرها على اتخاذ قرار صعب.
جريس كيلي هي نجمة سينمائية ضخمة وعدت بمهنة متألقة عندما تزوجت من الأمير رينييه أمير موناكو في عام 1956. وبعد ست سنوات، وبعد أن واجه زواجها صعوبة بالغة، قدم لها ألفريد هيتشكوك فرصة العودة إلى هوليوود لتلعب دور مارني في فيلمه القادم. لكن فرنسا تهدد أيضًا بضم موناكو، الإمارة الصغيرة حيث أصبحت أميرة.
تمزقت غريس وأجبرت على الاختيار بين الشعلة الإبداعية التي لا تزال تحترق بداخلها ودورها بصفتها صاحبة السمو.
تتخذ جريس كيلي قرارها، بل وتقامر لتصبح ملكة القلوب بموناكو، ويعود ذكاء السيناريو إلى حد كبير إلى القدرة على الجمع الفعال بين السيرة الذاتية السياسية والتاريخية، كمجالين مترابطين.
وهكذا، فإن الأزمة بين فرنسا -المتورطة في الحرب الجزائرية– وموناكو بشأن رفع الضريبة المخصصة للخزانة الفرنسية، والتي تعني فقدان سيادتها على الإمارة، ليست فقط خلفية للتاريخ هي القوة الدافعة لها.
في هذا السياق المضطرب، ستخضع النجمة السينمائية غريس كيلي لتحولها، وتقامر بكل شيء متخليةً نهائيًا عن لقبها لتعلن: «أنا موناكو» في نهاية خطاب يجب أن يظل في سجلات الأحداث.
عندما تصبح أميرة السينما أميرة القلب، فإن أي حيلة لا لزوم لها، يظهرها لنا أوليفييه دهان وكأن لا شيء في الجوار، لا شيء يهم، باستثناء العيون الزرقاء لنيكول كيدمان، التي تعكس حزنًا حلوًا خاليًا من المرارة. وراء لعب سموها أعظم دور في حياتها تخفي امرأة بسيطة ومؤثرة تطلب فقط أن تعيش حكايتها الخيالية. من خلال مشهد النهاية قدمت انعكاسًا جميلًا على جوهر مهنة الممثل.
الثالث: المقامر من أجل غاية
12 Angry Men
هو فيلم درامي في قاعة المحكمة الأميركية عام 1957 من إخراج سيدني لوميت، مقتبس من سهرة تليفزيونية عام 1954 تحمل نفس الاسم من قبل ريجينالد روز، وقد أعيد تقديمه للسينما عام 1997. حصلت نسخة 57 على 9/10 IMDb، و 100% «Rotten Tomato».
قد تكون الدراما الأكثر جذرية في قاعة المحكمة في تاريخ السينما. نظرة خلف الأبواب المغلقة على النظام القانوني الأميركي الجذاب بقدر ما هو احتياطي، هذا التكيف الأيقوني لنجوم ريجينالد روز عن بعد هنري فوندا كعضو معارض في هيئة محلفين من الرجال البيض المستعدين لإصدار حكم على مراهق بورتوريكي بتهمة قتل والده، بكونه مذنبًا. فتتضح مقامرة هنري والبحث عن مزيد من الأدلة والتمحيص، والنتيجة هي ملحمة ذات أبعاد ملحمية تدور أحداثها في فترة ما بعد الظهيرة المتوترة في غرفة شديدة الحرارة.
تظهر لقطة للكهرباء المحدودة كعامل مضاد لتجسيد حال أمريكا في الخمسينيات من القرن الماضي الذي على وشك التغيير. إن قصة فيلم «12 Angry Men» هي واحدة من أعظم الأفلام الروائية التي ظهرت لأول مرة.
المصدر/ موقع أرجيك فن