سوليوود «متابعات»
انعكست سياسة الانفتاح الاجتماعي، التي شهدتها المملكة العربية السعودية، خلال السنوات الأخيرة، على إنعاش الاهتمام بتدريس الفنون بصورة عامة، والسينما بصورة خاصة، إضافة إلى تشجيع الكثير من السعوديات للعمل في هذا المجال، بعد حظر مشاهدة الأفلام داخل قاعات السينما على مدار 35 عاماً.
أحد مظاهر الانتعاشة في صناعة السينما بالمملكة، انتخاب المخرجة السعودية هناء العمير، كرئيسة لأول جمعية أهلية متخصصة في تاريخ البلاد، تُعنى بقطاع صناعة الأفلام، والتي تم تسجيلها رسمياً، بموجب قرار وزاري، تحت اسم جمعية السينما السعودية.
قالت «العمير» في مقابلة مع «الفنار»: «إن اختياري كأول رئيسة لجمعية سينمائية في بلادي، أشبه ما يكون بمكافأة على جهودي في السنوات السابقة، لتطوير هذا القطاع، حين كان المجتمع ينظر لنا بأننا مجانين، ونحن ننحت في الصخر».
جاءت فكرة تأسيس الجمعية بمبادرة، من عشرات العاملين في قطاع السينما السعودية، بهدف تصميم استراتيجية داعمة للقطاع في بلادهم، والتي تتوافق مع الاهتمام الرسمي في صناعة سينمائية محلية.
تعمل الجمعية على تحقيق ثلاثة أهداف، هي إثراء المحتوى المعرفي والبصري في السينما، ونشر الثقافة السينمائية، وتحسين قدرات العاملين في مجال السينما.
تطمح المخرجة السعودية أن تكون الجمعية بيتاً لصناع السينما، وقناة اتصال بينهم والعالم الخارجي، إضافة إلى إثراء الساحة الفنية بالفعاليات الفنية، والإصدارات الخاصة بالسينما، سواء من كتب أو مطبوعات.
«العمير» من أوائل السعوديات اللاتي أثرين الحركة السينمائية في المملكة، خلال سنوات حظر قاعات العرض السينمائية، وبدأت تجربتها ككاتبة سيناريو عام 2008، بفيلمها الوثائقي الأول «هدف»، الذي شارك في عدة مهرجانات، منها مهرجان الخليج 2009، وتبعه تنفيذ عدد من الأفلام ككاتبة سيناريو مخرجة، والتي شاركت في مهرجانات دولية، وحصدت جوائز عالمية.
المخرجة السعودية، التي ولدت في بيروت وانتقلت باكراً مع ذويها، للعيش في المنطقة الشرقية بالسعودية، تعتقد أن المرأة السعودية كانت حاضرة دوماً في صناعة السينما محلياً وعالمياً. لكن السينما هي التي كانت غائبة عن المجتمع بسبب القيود والممارسات، حسب قولها.
وتؤكد «العمير» أن الانفتاح الاجتماعي «شجع الكثير من السعوديات لدراسة السينما، كما أتاح حرية أكثر للعاملين في هذا القطاع لتقديم تجارب أكثر تنوعاً، عندما أتاحت السلطات تصوير المشاهد الخارجية، بعدما كانت ممنوعة في السابق، وتغيرت وجهة نظر المجتمع في صناع السينما، بعد الاعتراف الرسمي بتخصصاتنا كمهن رسمية«.
رصدت «العمير» هذا التغيير من واقع عملها كمخرجة، في فيلم «بعيدا عن الكلام» عام 2008، حين كانت المرأة الوحيدة في معرض التصوير. لكن هذا المشهد تغير حين أخرجت مسلسل «وساوس»، أول مسلسل خليجي سعودي من أعمال «نتفلكس» الأصلية، بعدما بلغ عدد الإناث المشاركات في تنفيذ العمل نحو خمسين، وذلك قبل عامين.
أوضحت «العمير» أن حجم الإنتاج في السينما المحلية اختلف كلياً، مع إتاحة أكبر لإنتاج قصص صعبة، تدور في العوالم النسائية، بعد وجود ممثلات سعوديات بأعداد كبيرة، يستطعن تأدية أدوار في هذه التجارب السينمائية.
شغف مبكر
ساعدت نشأة «العمير»، لأسرة سعودية منفتحة نحو الفنون والسينما، ومهتمة بالثقافة والأدب، في تشجيعها منذ سنوات صباها في قراءة الأدب، ومشاهدة السينما من خلال التلفزيون المحلي، الذي كان يعرض القنوات الخليجية، أو من خلال الأسرة، التي كانت توفر شرائط فيديو لأفلام عربية وأوروبية.
وخلال مشاهداتها للأفلام العربية والأوروبية، تأثرت «العُمير»، المولودة لأب درس في الجامعة الأمريكية ببيروت، وأم كانت من أوائل المتعلمات في بلادها، بالتجارب السينمائية لعدد من المخرجين العرب، أبرزهم اللبناني برهان علوية، والمصري خيري بشارة. لاحقاً، انعكس هذا التأثر على إدراكها لوظيفة السينما «كمكان لطرح القضايا الأقرب إلى القلب والوجدان، ومحاكاة قصص الواقع وحياة البشر بتفاعلاتهم المختلفة».
قالت المخرجة السعودية: «إن أفلام علوية وبشارة هي المدرسة الفنية، المعادل للأدب لكن بصريًا. وهذا سبب التعلق بالفيلم الفني، ودراسة السينما بشكل أعمق«.
واتجهت «العمير» التي درست الترجمة في جامعة الملك سعود، إلى صناعة السينما بعد حصولها على الماجستير في الترجمة، من جامعة هيريوت وات، في اسكتلندا عام 1996، إذ عملت في البداية ككاتبة في مجال السينما، بعدد من الصحف السعودية، قبل أن تتاح لها فرصة المشاركة ككاتبة سيناريو للمرة الأولى عام 2008.
وبعد هذه المحطة الاولى، قدمت المخرجة السعودية العديد من التجارب السينمائية ككاتبة ومخرجة، وشاركت كعضو في لجنة تحكيم في العديد من المهرجانات والمسابقات الفنية، منها مهرجان الفيلم السعودية، ومسابقة ألوان للأفلام القصيرة، إضافة إلى اختيارها من جانب وزارة الثقافة السعودية كمشرفة على دراسة طالبات سعوديات للسينما في فرنسا.
تحديات كبيرة
وعلى الرغم من الانتعاشة الكبيرة التي تشهدها صناعة السينما في السعودية، لاتزال هناك بعض المعوقات التي تتطلب دعماً كبيراً الفترة المقبلة، سواء على مستوى إنتاج الأفلام، أو تصميم البرامج الدراسية للراغبين في دراسة السينما، داخل المملكة أو خارجها.
وحالياً، يوجد داخل ثلاث جامعات سعودية برامج لصناعة الأفلام، في كلية عفت، وجامعة الأميرة نورا، وجامعة الأمير محمد بن فهد.
قالت «العمير»: «إن التمويل لا يزال ضعيفاً، مقارنة بالأفلام التي نتمنى إنتاجها، في ظل اقتصار التمويل حالياً على الجهات الحكومية.
وتقترح «العمير» بعض السياسات الداعمة للفيلم السعودي، من أجل تشجيع المستثمرين في مجال تمويل صناع السينما، مثل تنظيم مواعيد عرض الأفلام في قاعات العرض السينمائية.
وذكر بحث متعمق سابق للمجلس الثقافي البريطاني، عن صناعة السينما السعودية، أكتوبر 2020، أن 43% من المبحوثين قالوا إن نقص التمويل من أكبر العوائق في صناعة الأفلام، فيما أشار 13% إلى نقص الكوادر، و11% إلى قلة فرص الحصول على التدريب والتعليم السينمائي.
وتستكمل «العمير» حديثها عن تمويل صناعة السينما السعودية، وأكدت أن القرار الأخير برفع الضريبة عن الفيلم السعودي «أمر عظيم، ويشجع المستثمرين على الدخول في قطاع السينما»، موضحة أن اكتمال بناء قاعات العرض السينمائية سيكون محفزاً إضافياً للمستثمرين لتمويل صناع الأفلام.
و تتوقع الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع في السعودية، أن يصل عدد دور السينما بحلول عام 2030 إلى 350 داراً، تعرض 2500 فيلمًا في عموم المملكة، وأن تصل قيمة الصناعة السينمائية إلى مليار دولار.
أخيراً، تطمح المخرجة السعودية خلال الفترة المقبلة، إلى إنتاج أفلام مستوحاة من التراث السعودي، الذي تعتبره مخزونًا هائلًا من القصص، التي لم يتم الكشف عنها حتى الآن.
وقالت: «الأحلام نحو نقل السينما السعودية للمصاف العالمي كبيرة، وتعميق وتعزيز الخبرات المحلية هدف أسمى، نسعى إلى تحقيقه السنوات المقبلة، خصوصًا بعدما أصبحت وظيفتنا يتم النظر لها بتقدير كبير داخل المجتمع».