سوليوود «متابعات»
مازال الفيلم العربي يعاني من إشكاليات كثيرة، ومازال يحتاج إلى دعم كبير ليصل إلى المنابر الخارجية والمهرجانات العالمية. وللحديث عن هذه المعضلة عقد الاتحاد العام للفنانين العرب المؤتمر الأول للسينما العربية وذلك على هامش الدورة السابعة والثلاثين من مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط.
عقد مؤخرا وضمن فعاليات الدورة السابعة والثلاثين لمهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط المؤتمر الأول للسينما العربية الذي نظمه الاتحاد العام للفنانين، وبحسب صحيفة العرب قام بتأسيس دورته الافتتاحية الدكتور ياقوت الديب، وشارك فيه مجموعة من الباحثين والنقاد من كل من مصر والسودان والمغرب وسوريا والعراق.
ورغم أن المؤتمر لم يحظ بإقبال جماهيري كبير، إذ لم يتم الإعلان عنه للجمهور بالشكل الكافي، إلا أنه طرح قضايا مهمة جدا على صعيد الإنتاج السينمائي المشترك والمحلي والمأمول منهما.
الإنتاج المشترك
كان من أهم الأبحاث وأكثرها أكاديمية وعمقا وتفصيلا، البحث الذي قدمته من مصر الباحثة أمل الجمل، وهي بالمناسبة باحثة حاصلة على درجة الماجستير منذ سنوات عديدة في نفس الموضوع، وبدأت ورقتها البحثية بتعريف الإنتاج السينمائي المشترك في مداخلتها المعنونة «واقع الإنتاج السينمائي المشترك وتحديات اكتساب أرض جديدة» على أن التعاون السينمائي المشترك يُقصد به أن يكون بين طرفـين أو أكثر لإنتاج فيلم (روائي أو تسجيلي، سواء كان طويلا أو قصيرا) يتسم بصبغة عالمية في القصة والمعالجة، وبرأس مال مشترك، وبممثلين وفنيين من الدول المشاركـة في الإنتاج، وبسـيناريو يرضى عـنه جميع الأطـراف.
ولكن رغم ذلـك، كما تشير الجمل، قد يُفضل البعض أن تقتصر الشراكة عـلى التمويل فقط (الجزء المادي) من دون الإصرار على وجود ممثلين من الدول الـمشاركة حتى لا ينجم عـن ذلك تـسكين ممثل أو ممثلة في غير مكانه، بحيث يصبح عبئاً على الشخصية الدرامية وعلى العمل بأسره.
أما في ما يخص قضية جنسية الفيلم، وهي مشكلة باتت محل أخذ ورد من قبل العاملين في حقل السينما، فترى الجمل أنه في الإنتاج المشترك يُنسب الفيلم إلى الجهة صاحبة النسبة الأكبر في رأس المال، أما إذا تساوت الأطراف المشاركـة فيتحدد في وثيقة العقد إلى أي دولة يُنسب الـفيلم، وحقوق كل طـرف في مناطـق التوزيـع، ولكن في نهاية الأمر ورغم أن الفيلم يكتسب قانونيا جنسية الجهة الممولة إلا أن هـويته السينمائـية تظل حكراً على جنسية مخرجه، في حين يُمنح الشريط السينمائي هويته الثقافية من روح العمل المُقدم وجوهر الموضوع.
وترى الباحثة أن أهمية الإنتاج المشترك تكمن في اعتباره وسـيلة فعّالـة للخروج بالفيلم من سوقه المحلي المحدود وتوسـيع دائرتـه في السوق العالمي، بالإضافة إلى أنه سيتيح تبادل الخبرات المهنية والأكاديمية، وعقد لقاءات دورية مشتركة لمنتجي السيـنما وخبـرائهـا من البلدان المشتركة في إنتاج العمل، وسيسمح ذلك على سبيل المثال بالـتعاون لترمـيم الأفلام، وإصدار المطبوعات، وتمويل الأبحاث، ويخلق في النهاية منافـسة شـديدة تحقق نتائجها في تطور السينما، ويكون لها أثرها الكبير في نهضة الفن السابع.
وتطرقت في ورقتها البحثية إلى نقطة هامه يغفل عنها البعض ألا وهي السياسة وتأثيرها على صناعة الأفلام وأتت على التجربة المصرية شارحة ذلك بشكل تفصيلي، (ربـما لـم تـكن الـحاجـة مـلحة لـخوض مـجال الإنـتاج السـينمائـي المشـترك مـع دول أوروبـية، أو أخرى أجنبية من وجهة نـظر الدولة المصرية أو «مؤسـسة السينما المصريـة»، لـكن الخلافات والاختلافات السياسـية عجلت بإعادة طرح ملف تلك القضية الشائكة مرة أخرى بعد غلق عدد من أسواق الدول العربية أمام الفيلم المصري ومنعه من العرض فيها.
وتوقفت الجمل في ورقتها البحثية عند بعض من الأفلام السينمائية العربية التي خاضت في الإنتاج المشترك، كالفيلم الروائي التونسي «نحبك هادي» وهو الفيلم الأول للمخرج محمد بن عطية، الذي جاء نتيجة تعاون مشترك بين فرنسا وبلجيكا، تمثل بالأخوين داردين اللذين يُعدان من أهم منتجي السينما في العالم وحصدا السعفة الذهبية مرتين، إلى جانب تكريمهما من مهرجان كان أيضاً، وشاركت في الإنتاج تونس ممثلة بالمنتجتين لينا شعبان ودرة بوشوشة، التي عرفت بأنها واحدة من أهم المنتجين الداعمين للسينمائيين الشباب، كما تشير الجمل، والـتي أنتجت أيضا أفلاما مهمة للسينما التونسـية.
ولفتت الباحثة إلى أن احتمالية وجود الأخوين داردين كشـريك أساسي في إنتاج الفيلم ربما قـد لعب دوراً مهما في إشراكه في المسابقة الدولية لمهرجان برلين السادس والستين، رغم أنها لا تنكر على الفيلم ومنتجيه أنه وعلى بساطته لم يكتف فقط بالمشاركة ولكنه فاجأ العالم العربي وأعاد السينما العربـية إلى دائرة الضوء في اقتناص الجوائز التي حُرمت منها منذ جائزة الدب الفضي التي حصدهـا فيلم يوسف شاهين «إسكندرية ليه» عام 1979.
كما نوهت الجمل بالأفلام السودانية المشتركة وخاصة فيلم «الحديث عن الأشجار» الذي نال بدوره جائزتين من أهم جوائز البرليناله (أفضل وثائقي وجائزة الجمهور)، وتستغرب كيف بعد هذه الدورة بعام، لم يجد المدير الفني لهذا المهرجان العظيم أي فيلم عربي ليشارك، تقول الجمل «هل يعقل أن السينما العربية من المحيط إلى الخليج لم تُنتج أفلاماً على مستوى فني لائق يستحق المشاركة في أي من أقسام المهـرجان سواء البانوراما أو حتى القسم الجديد المستحدث إنكاونتر؟ وهل حقاً يمكن أن نصدق أن دولاً مثل لبنان وتونس والمغرب أو الجزائز لم تُنتج فيلما يسـتحق العرض في برلين»؟ ملمحة إلى أن العلاقات الشخصية تلعب دوراً في الخيارات والاختيارات، وليس مجرد تعنت مرجعه موقف مناهـض من السينما العربية، لكن ربما الـقيادات الجديدة في مهرجان برلين كما تقول الجمل، لم تنجح أو ربـما لم تُجهد نفسها للبحث والتواصل مع مخرجين عرب، أو ربما لا يملكون نفس قوة العلاقات التي تميز بها ديتر كوسـليك.
ونوهت الجمل بتجربة المخرجة التونسية كوثر بن هنية في فيلمها الأحدث «الرجل الذي باع ظهره»، فهي وبالرغم من أنها تراه فيلما جيدا، لكنها تعرف أنه في نفس العام قد أنتجت أفلام عربية أكثر أهمية منه، لكن مجرد أن الفيلم استطاع أن يحصل على تمويل من أكثر من 20 جهة إنتاجية، هذا لوحده كان كافيا لتشكيل ضمانة لدخوله مهرجانات دولية، إلى جانب أن قصته مقتبسه عـن لوحة عالمية، وشارك فيه نجوم عالميون.
وختمت مداخلتها بأنه لا بد من الاعتراف بأن الإنتاج السينمائي المشترك يقوم بسد فجوة تمويـلية وخاصة مع تراجع دعم الدولة ويمنح هامشا من الحرية، لكن يبقى الهدف الأسمى منه هو الوصول إلى الأسواق العالمية والتعريف بسينمانا ونجومنا.
لكل بلد ظروفه
أما الورقة البحثية الهامة التي أردت الوقوف عندها فهي للمخرج المغربي حسن الروخ، والتي حاول من خلالها التعريف بالفيلم كإنتاج، ومتى يمكننا أن نطلق على مهنة السينما في دولة ما كلمة صناعة، مؤكدا على أن الدال على تلك الصناعة يمكن حصره في عدة نقاط من أهمها وجود عدد كبير من الأفلام المنتجة سنويا، والتي يجب أن تصل إلى (100 أو 200 فيلم)، بالإضافة إلى وجود عدد كبير من صالات العرض، كل ذلك سيترافق تلقائيا مع أهمية وجود عدد لا بأس به من المخرجين وكتاب السيناريو وحتى الفنيين والمعدات والتجهيزات، كما أن وجود المهرجانات السينمائية الداخلية سواء المحلية منها أو الدولية يشكل نقطة هامة في دعم تلك الصناعة.
أما الورقة البحثية الثالثة والتي قدمتها كاتبة هذه السطور بعنوان «الإنتاج السينمائي المحلي والمأمول منه»، فإنها تشير إلى الإنتاج السينمائي في سوريا لم يكن يوما يحبو تجاه فكرة الصناعة، فالإنتاج ورغم أنه كان قد بدأ مبكرا جدا مع القطاع الخاص 1928 وسبق له وأن مر بتجارب عديدة في الإنتاج المشترك، إلا أنه ومنذ بداية تأسيس المؤسسة العامة للسينما في سوريا وحتى اليوم لم يتجاور الإنتاج السينمائي الروائي الطويل الـ 100 فيلم، واقتصرت تجربة الإنتاج المشترك فيه على التعاون مع الأفراد كما حصل على سبيل المثال في تجربتي كل من توفيق صالح في فيلم «المخدوعون» وتجربة برهان علوية في فيلم «كفر قاسم».
وتشكو سوريا عموما من قلة عدد العاملين في حقل السينما من مخرجين وفنيين، على الرغم من أن المؤسسة تمتلك كماً لابأس به من المعدات، ولسد تلك الفجوة تقرر مؤخرا استحداث المعهد العالي للسينما وذلك بعد النجاح الذي حققه مشروع دبلوم السينما الذي رفد الساحة بمجموعه من الشباب الموهوبين.
كما أن سوريا تفتقد لوجود قاعات عرض فيما لو استثنينا القاعات القليلة جدا التي تمتلكها وزارة الثقافة والتي كانت تستثمرها في عروض مهرجان دمشق السينمائي الدولي، وهو المهرجان الوحيد في سوريا المتوقف منذ عشر سنوات بسبب الأزمة الاقتصادية وحتى السياسية، كما أن الفيلم السوري يعاني من معوقات التواجد في مهرجانات دولية وحتى عربية، سواء الفيلم القادم من داخل سوريا أو خارجها، وذلك لأسباب سياسية باتت معروفة.
أما بالنسبة إلى مداخلة الناقدة المصرية ماجدة موريس التي كانت تدور أيضا في إطار الإنتاج المحلي والمأمول منه فلقد لخصت فيها رحلة الإنتاج السينمائي المصري، مرورا بتجربة المؤسسة المصرية العامة للسينما التي توقفت لاحقا، (كانت أول مؤسسة عامة يصدر قرار بإلغائها بعد تولي الرئيس السادات الحكم وإعلانه سياسة الانفتاح الاقتصادي، ومنذ ذلك التاريخ 1972 يقود السينما المنتج الخاص إما بمفرده من خلال شركته الخاصة، أو يقودها ممثلون لديهم طموحات لتقديم أعمال مختلفة).
وتشير موريس إلى معضلة جديدة باتت تشكله أزمة في الإنتاج ألا وهي تصاريح التصوير التي باتت صعبة وفي نفس الوقت مكلفة، كما أنها من جهة أخرى حرمت مصر من التصوير في أراضيها، مؤكده على أن هذه المشكلة كانت أحد أسباب هجرة الأفلام الأجنبية التي تدور أحداثها في مصر – خاصة مواقعنا الأثرية – إلى المغرب للتصوير فيها تحديدا في الصحراء المغربية التي بنيت فيها مواقع بها آثار شبيهة بالمصرية في مدينة خصصت تماما لتصوير الأفلام بها هي مدينة ورزازات.
كما نوهت لمسألة تقلص دور العرض السينمائي في مصر واختفائها من محافظات عديدة تماما، وهو مأزق صعب لأنه ويحسب موريس، يعني أفلاما لا تصل للجمهور وجهدا إبداعيا لا يجد التقدير المستحق ممن صنع من أجلهم، ونفس الأمر بالنسبة إلى صالات العرض في القاهرة والإسكندرية، فأغلب دور العرض السينمائي العامة هدمت أو أغلقت.
أما ما تتمناه أو المأمول من السينما المصرية بحسب موريس فهو أن تتغير علاقة الدولة بالسينما، فتزيد دعمها لهذا الحقل وخاصة للمبدعين الشباب وإنشاء صندوق دعم خاص بالإنتاج السينمائي يدعم خاصة كل مبدع أثبت جدارته بالدليل.
أما مداخلة الأكاديمي إبراهيم محمود حول السينما العراقية، والتي كانت في محور الإنتاج المشترك، فأكد من خلالها على أن السينما العراقية كانت فقيرة من حيث الإنتاج والإنتاج المشترك لسنوات طويلة نتيجة المتغيرات السياسية التي شهدتها البلاد، ولكن منذ العام 2003 حصلت متغيرات في المشهد العراقي، شملت شتى مجالات الحياة، وأثرت في جميع تفاصيلها، وكان للسينما نصيبها.
ويبيّن أن السينما شهدت عودة العمل والبحث عن فضاءات جديدة، ومع انفتاح العراق على العالم أصبح جزءاً من المشهد السينمائي العالمي، وهذه العملية بحد ذاتها شكلت ضرورة ملحّة في صيرورة هذا الفن من ناحية تفاعله وتأثره بالتجارب الأخرى في شقيها الإقليمي والدولي.
لقد تصدى جيل جديد من الشباب الواعد لهذه العملية وتمكّن من صناعة نمط جديد من الأفلام الدرامية والوثائقية تنوعت بين الأفلام الطويلة والقصيرة وقد شارك أبناء هذا الجيل بهذه الأفلام في العديد من المهرجانات والمحافل الدولية، واستطاعت هذه المشاركات الفعالة من خلق صورة أو هوية جديدة للسينما العراقية التي طالما أخفقت، سابقاً، في عبور حدودها المحلية. وقد ظهرت العديد من الأفلام لاسيما بعد اختيار بغداد عاصمة للثقافة.