سوليوود «متابعات»
ما بين الرواية والفيلم خيوط رفيعة يمشي بينها المخرج بحذر، محاولا الحفاظ على أدب الرواية ودمجها مع مشاهد جمالية، تمهيدا لولادة عمل مكتمل العناصر. لطالما شكلت الروايات مادة دسمة وقيمة إضافية للأفلام التي تركت بصمة دامغة في تاريخ السينما، وما فتئ يحاول عديد من المخرجين اقتباس روايات مشهورة في عالم الأدب، لكن هذه ليست قاعدة ذهبية دائمة، فبعضهم يكتب لهم النجاح ويحلقون في سماء الإيرادات، وآخرون يذوقون طعم الفشل. إلا أنه في فيلم «ديون» للمخرج الفرنسي الكندي داني فيلينوف لم يقف عند النجاح المؤطر، بل تعداه ليقدم فيلما يفوق الخيال ويمهد لدمغ بصمة فارقة في عالم أفلام الخيال العلمي.
صراع العروش والبحث عن إكسير الحياة.
وبحسب صحيفة الاقتصادية على الرغم من انتماء فيلم «ديون» – المقتبس من رائعة الخيال العلمي لفرانك هيربرت الكاتب الأميركي بالاسم نفسه الحاصلة على جائزتي هوجو ونبيولا في 1966 – إلى فئة الأفلام الطويلة، حيث تصل مدة عرضه الى نحو ساعتين ونصف، إلا أن معرفة المشاهد بوجود أجزاء أخرى منه، تجعله ينسى الساعات ويندمج في القصة التي من الممكن أن تكون بداية لملحمة مشوقة على غرار مسلسل «جيم أوف ثرونز».
يروي الفيلم قصة بول أترايدس، يؤدي دوره تيموثي تشالاميت، وهو شاب منح فرصة غير عادية ومهمة خطيرة حيث يتم وضع مقاليد ثروة عائلته القوية بشكل متزايد في يديه من قبل والده ديوك ليتو، يؤدي دوره أوسكار إسحاق، والأم التي لا تقل أهمية، ليدي جيسيكا، وهي كاهنة محاربة لعبت دورها ريبيكا فيرجسون، التي اشتهرت في أفلام «Mission Impossible» الأخيرة، تتولى عائلته إدارة كوكب الكثبان الرملية «أراكيس»، وهو عبارة عن أرض صحراوية قليلة السكان غير مضيافة، لكنه مصدر لنوع مهم من التوابل يستخدم كدواء يطيل الحياة ويعزز القدرات العقلية، فاضطر للسفر إلى «أراكيس»، الكوكب الأخطر في الكون، لضمان مستقبل عائلته وشعبه. وتثور القوى الخبيثة والطامعة في صراع على أثمن مورد موجود ومتوافر حصرا في هذا الكوكب وهو التوابل، ليكون البقاء فقط لأولئك الذين يستطيعون التغلب على خوفهم.
شارك في الفيلم مجموعة من الممثلين القديرين أمثال الشابة زيندايا من أفلام Spider-Man الأخيرة، جوش برولين صاحب دور ثانوي في عالم مارفل السينمائي، ديف باوتيستا صاحب دور دراكس من عالم مارفل السينمائي، خافيير بارديم صاحب الأفلام المتنوعة، ستيلان سكارسجارد الممثل الكبير بطل مسلسل «Chernobyl» الناجح، جميعهم أبدعوا في تقديم تحفة فنية من قلب رمال أبو ظبي، لإظهار تفاصيل استخدام المناظر الصحراوية الطبيعية الخلابة في الإمارة كموقع تصوير للكوكب الرملي الشهير «أراكيس».
نشهد من خلال الفيلم إرثا للمكان، والحروب التي حصلت للاستيلاء على الموارد والأراضي، كما نشهد تاريخ عوائل تغيرت موازين قوتها عبر الأعوام، فأصبح بعضهم متهالكا وممسوحا من على المجرة والبعض الآخر يقاوم على حافة الانقراض، والبعض مستحوذ ومتمكن وميزان القوة موزع على جميع الأطراف سواء في التاريخ، أو النفوذ أو حتى الموارد وغيرها.
يعد فيلم «ديون» من أضخم الأفلام التي عرضت هذا العام، حيث اقتبس المخرج أحداث الرواية وتعمق فيها من خلال شخصياتها، وبرع في الاقتراب من شخصياته وفرض أفكارهم وفلسفتهم وقدراتهم ومهاراتهم، فالشخصية الرئيسة «بول» مقبل على اكتشاف ذاته، وكثير من الأمور غير المستقرة بالنسبة إليه، حيث أضغاث الأحلام تقض مضجعه ويحاول التحكم فيها وفهمها، فهو يعيش وسط عائلة تحميه من كل شيء، لكنه يحاول أن يخرج منها، ويخوض التحديات، ولقد ساعدت البيئة الرملية الشرسة والكثبان الرملية على الاندماج أكثر.
في الواقع لم تكن أفلمة داني فيلينوف لرواية «الكثبان» الأولى من نوعها لهذه الرواية، بل كانت السينما قد اهتمت بأفلمتها منذ 1971، أي بعد ستة أعوام فقط من صدورها في المكتبات. مذاك جرت محاولات عدة لنقلها إلى الشاشة، أشهرها محاولة أليخاندرو خودوروفسكي المخرج التشيلي الذي عمل طويلا على هذا المشروع الذي تعرض لمائة عقبة وعقبة، حتى إن مخرجا أمريكيا أنجز وثائقيا عنه في عنوان “ديون خودوروفسكي”. كما عرضت ابنة المنتج الشهير دينو دو لورنتيس على ديفيد لينتش المخرج الأمريكي اقتباس الرواية بعدما شاهدت فيلمه «الرجل الفيل»، فكان الفيلم الذي نعرفه الذي أنجز في 1984.
إلى أن جاء فيلنوف واستطاع أن يأخذ هذا النص وينقله إلى الشاشة الكبيرة بمشهدية بصرية وإمكانات تقنية هائلة، وجعله حقيقيا وعملاقا بتصاميم رائعة لشخصياته وإتقان بصري لكائناته وشعور ملحمي، مع بشاعة تفجيراته، ولوحات بصرية مذهلة، ويتماهى الفيلم مع تزايد الوعي بأهمية الحفاظ على البيئة ومواجهة التغير الحراري، ومع ذلك وظف صناعه تلك الفكرة بالمؤثرات الصوتية والضوئية الخاصة وبطريقة غير مباشرة، ولعبت الموسيقى التصويرية من هانز زيمر الذي اضطر إلى أن يترك العمل مع المخرج كريستوفر نولان في فيلمه القادم Tenet بسبب ضيق الغلاف الزمني ليعمل مع فيلنوف في فيلم «ديون»، لعبت دورا دراميا بارزا في أحداث الفيلم، مع الإشادة بتصميم الأزياء لجاكلين ويست وروبرت مورجان التي جاءت مليئة بلمسات لافتة للنظر.
لقد سبق لهذا المخرج ذي المكانة الكبيرة في هوليوود، أن أثبت قدرته على معالجة أساطير الخيال العلمي من خلال فيلم «بلايد رانر 2049» 2017.
إن الفيلم من إنتاج شركة وارنر بروس، وهو مقتبس من رواية «Dune» التي كتبها فرانك هربرت 1968، وأصدر منها خمسة أجزاء، وعرفت رواية الكثبان على نطاق واسع بالرواية الأولى لبيئة الكواكب. فبعد نشر رواية الربيع الصامت لراشيل كارسون 1962، بدأ كتاب الخيال العلمي يكتبون عن تغيرات البيئة وما يترتب على ذلك، وكانت الكثبان إحدى هذه الروايات 1965، وأشار علماء البيئة إلى أن اشتهارها يعود إلى كونها تصور الحياة المعقدة على الكوكب مقارنة بالصورة الأولى للأرض من الفضاء التي نشرت في الوقت نفسه، التي أثرت بقوة في حركة البيئة وأدت إلى ظهور يوم الأرض العالمي.
وختاما، سؤال يطرح نفسه، هل فعلا ديون هو تحفة سينمائية لم يسبق لها مثيل، وهل هو خليفة ووريث فيلم سيد الخواتم الخاص بفيلنوف، أي أنه يساوي من حيث الأهمية ما كانت تساويه ثلاثية تولكيين عند المخرج بيتر جاكسون؟ ويبقى للجمهور الحكم والقرار.