سوليوود «متابعات»
أنجبت السينما البريطانية مخرجين ممتازين طوال سنواتها، قليلون منهم «ديفيد لين وألفرد هيتشكوك مثلاً» شهدوا نجاحًا عالميًا كبيرًا، العديدون الآخرون نجحوا لحين ثم مضوا كما لو كانوا شهبًا سماوية، لندساي أندرسن، الذي بدأ حياته ناقدًا سينمائيًا، هو أحدهم، بدأ العمل كمخرج في الخمسينات وتميّز بأعماله في الستينات وخف بريقه في الثمانينات، لكن من يراجع أفلامه اليوم يدرك أن ما بين الانبثاق والانضواء مرحلة بالغة الأهمية بالنسبة للسينما البريطانية كما بالنسبة إليه، حسبما أفاد موقع الشرق الأوسط.
أندرسن كان يؤمن بالقضية الاجتماعية ومن خلالها نقد النظم التي من شأنها تفتيت تلك القضايا وإدخالها مراحل من الروتين والقوانين والإجراءات التي تمنع الناس من حياة أفضل، هذا كله أدّى، في نظره، إلى ضرورة الثورة الشابة، وهكذا، وبينما كانت فرنسا تعيش ثورتها الشبابية سنة 1968 كان أندرسن ينجزها على الشاشة عبر فيلمه الغاضب If.
«إذا…» هو فيلم عن ثورة الطلاب ضد قوانين متزمّتة تدفع بعضهم لا لتبني مفاهيم معادية فقط، بل لنقل العداء إلى العنف أيضًا، يتوازى الموضوع هنا مع فيلم ستانلي كوبريك «كلوكوورك أورانج» «1971» خصوصًا أن الممثل مالكولم ماكدووَل يلعب البطولة في كلا الفيلمين، لكن «كلوورك أورانج» يتبنّى قضيته المعادية للنظم عبر سينما من الدهشة المبرمجة، أما أسلوب أندرسن فهو أكثر التزامًا بمنحاه الاجتماعي على الرغم أن الفيلم ليس واقعيًا، وبحقيقة أن نقده لا يدخل عرين الفانتازيا لينسج منها المفاد، بل يبقى في إطار الحكاية ذات التركيبة المعاصرة.
قبل هذا الفيلم عمل أندرسن في مجال الفيلم التسجيلي، وما وصلنا منه «عرض يتيم لبعض أفلامه في ذا بريتيش فيلم إنستتيوت في مطلع الثمانينات» يشي بمخرج يعرف ما يريد الوصول إليه فنًا ومضمون، هو مبتكر في تلك الأفلام ومن بينها «لو كنت هناك» «If You Were There» الذي يلتزم فيه بحياة العاملين في المناجم.
عندما قرر أندرسن الانتقال إلى السينما الروائية، بتشجيع من أترابه كارل رايز وتوني رتشردسون، كلاهما من عماد السينما البريطانية الجديدة آنذاك وكلاهما حقق أفلام قضايا اجتماعية إنما بمنظور ليّن، خصوصًا بالنسبة لرتشردسون، فيلم ليندساي أندرسن الأول «هذه الحياة الرياضية» «This Sporting Life» حمل بذرات الغضب التي لاحقًا ما تكوّنت منها باقي أفلامه بدءًا من «إذا».
في عام 1973 حمل مالكولم مكدووَل فكرة لأندرسن نالت إعجابه: بائع متجوّل يعمل في بيع منتجات القهوة لديه من العزيمة والطموح، مما يدفعه إلى المثابرة على تحقيق الحلم المادي الكبير، النجاح في التحوّل من بائع جوّال إلى صاحب مؤسسة، هو ساذج في الوقت ذاته، خصوصًا عندما يبدأ بمجابهة الوقائع على الأرض.
الأغنية التي وضعها ألان برايس وقام بغنائها كمقدّمة للفيلم توعز بمحتوى هذه الكوميديا الساخرة إذ تقول في بعض مقاطعها:
Poor people stay poor people and They never get to see: Someone’s got to win in the human race… If it isn’t you، then it has to be me
أندرسن كانت لديه قيم غير قابلة للتغيير، لكنها على الشاشة لم تكن جامدة ولا خطابية بل مثيرة للخيال في أحيان كثيرة، المرّة الوحيدة التي حاول فيها الخروج من مفاهيمه صوب رحاب درامية أوسع كانت في «حيتان أغسطس» الذي جمع فيه ممثلتين من زمن غابر هما ليليان غيش وبَتي ديفيز.