سوليوود «متابعات»
إذا كان هناك فيلم واحد يمكن ترشيحه لشخص لا يحب ولا يشاهد سينما الرعب لكي يبدأ به، ليكون فكرة مناسبة عن موضوعات وفنيات وتقنيات هذا النوع، فلن يجد أفضل من فيلم Malignant لأداء هذه المهمة.
يجمع فيلم Malignant عنب الشام ببلح اليمن، في لعبة خطرة قد تحقق للفيلم الفوز بالحسنيين، أو بالخروج خاوي الوفاض دون أن يطال أياً منهما.
باقة من الأفكار والمشاهد مستقاة من تاريخ أفلام الرعب الطويل: فيروس خبيث يصيب الجسد ويحول صاحبه إلى وحش. أطباء يجرون أبحاثاً علمية على كائنات مريضة تتحول إلى مسوخ تسعى للانتقام من العلماء. كائن غيبي يمارس سلسلة من الجرائم، ويبدو مثل جني يستحوذ على جسد وعقل البطلة. أطفال يموتون في الرحم بطريقة غامضة. بيت مسكون، ومدينة تحت الأرض تسكنها أشباح الضحايا. أبناء ينتقمون من ذويهم الذين هجروهم. وفصام حاد على طريقة دكتور جيكل الطيب ومستر هايد الشرير. وفوق ذلك كله خيال علمي يقوم على فرضية خيالية مرعبة بوجود توأم ملتصق ينمو فيه أحدهما بطريقة شيطانية، ومن ناحية ثانية يبدو كما لو كان كائناً فضائياً تكنولوجياً، يتحكم في الكهرباء والموجات الكهرومغناطيسية!
الفيلم كتبه وأخرجه الأسترالي الأصل جيمس وان، الذي حقق شهرة كبيرة خلال العقد الماضي بسلسلتين من أفلام الرعب هما Saw، 2004، و The Conjuring، 2013، بجانب أفلام أخرى تنتمي لنوع الرعب أيضاً، ولكنها متنوعة الموضوعات والأفكار، من السفاحين الساديين إلى الجن والعفاريت والأسلاف البدائيين. ولكن رغم نجاحها الجماهيري يمكن القول إن معظمها متواضع فنياً.
ربما يكون Malignant هو أفضل أفلام وان من الناحية السينمائية، ويبرز بشكل خاص عنصر التصوير (هناك مشهدان تحديداً هما الأكثر تميزاً، الأول تتحرك فيه الكاميرا فوق مجموعة من الغرف داخل منزل مكون من طابقين منزوع السقف. ومشهد يعتمد على المؤثرات البصرية تنتقل فيه البطلة «بخيالها» داخل بيت آخر، وهو مشهد يتكرر أكثر من مرة بعد ذلك، لكن المرة الأولى هي الأكثر إتقاناً وتأثيراً).
إلى جانب التصوير يتميز الفيلم بإيقاعه المشوق، ومفاجآته السردية والبصرية الجيدة، حيث يأتي التعريف بالسر تدريجياً وبشكل غير مفتعل، يجعل المشاهد يصدق فكرته الخيالية بالرغم من غرابتها الشديدة.
قد يكون أسوأ ما في الفيلم مشاهده العنيفة المقززة، وهذا النوع من الرعب الذي يطلق عليه gory نظراً لاعتماده على مشاهد الدم واللحم الممزق اشتهر في الثمانينيات من القرن الماضي، وبالفعل يبدو الفيلم وكأنه ينتمي للثمانينيات في بعض أجزائه.
ولكن من بين كل الأفكار والأساليب المتناثرة التي يجمعها هذا الفيلم، تبدو مشاهد القتل الدموية بشكل مبالغ فيه بعيدة وغير منسجمة مع روحه وبقية عناصره.
عنوان الفيلم Malignant مستمد من صفة «خبيث» التي تطلق على السرطان، والمقصود به هنا هذا الكائن المدمر الذي يظهر في جسم البطلة وهي طفلة، في شكل ورم أو توأم ملتصق، يصيب مخها.
والفكرة بأسرها هي استعارة مجازية لموضوع الفصام العقلي (مثل قصص الجن الذي يلبس جسم البشر، حيث تعمل الحكايات الشعبية والأفلام على تجسيد هذا المرض العقلي في شكل كائنات غيبية)، بينما يتجسد هنا في شكل مرض بدني يشبه الورم الخبيث.
يرى عالم النفس الشهير كارل يونج أن جزءاً كبيراً من اللاوعي الفردي والجماعي يتكون من عدة نماذج بدائية منها «الأنيما» و«الأنيموس» اللذان يعادلان «القرينة» و«القرين» في التصور الشعبي، حيث يعتقد أن كل رجل لديه قرينة أنثى وكل امرأة لها قرين ذكر.
وأصل الحكاية هو التصور بأن كل إنسان داخله رجل وامرأة، وأن الإنسان في البدء كان خنثى مكوناً من ذكر وأنثى قبل أن يتم فصلهما، ولذلك يظل كل رجل يبحث عن أنثاه، والعكس بالعكس، طوال العمر، كما أن المرء الذي لا يتصالح مع قرينه أو قرينته يصاب عادة بالمرض النفسي.
هذه الأفكار الشعبية والعلمية يقوم جيمس وان باستغلالها لصناعة قصته الخيالية الألمعية. وكان من الأفضل التركيز على هذه الفكرة المبتكرة فقط التي تلعب على «الرعب النفسي» بدلاً من التشتت بين عدة أفكار وأنواع فنية.
يلعب بطولة الفيلم فريق من نجوم الصف الثاني على رأسهم الإنجليزية أنابيل واليس، التي حملت على عاتقها الثقل التمثيلي الأكبر في الفيلم.
ومقارنة ببقية الممثلين تبدو واليس أكثر حضوراً وبراعة بكثير، وليس واضحاً هل يرجع ذلك إلى موهبتها القوية أم إلى ضعف مواهب الممثلين الآخرين. لكن المؤكد أن اختيار المخرج لبقية الممثلين، وخاصة الإنجليزي جورج يانج، ذي الوجه الطفولي، لدور مفتش الشرطة، غير ملائم بالمرة.