سوليوود «متابعات»
طغى اسم المخرج الياباني الشهير أكيرا كوروساوا على من عداه من مخرجين عباقرة وُلدوا في الحقبة ذاتها ومنحوا السينما اليابانية وجودها، من هؤلاء، على سبيل المثال، ميكيو ناروزي، كون إتشيكاوا، ماساهيرو شينودا وياسوجيرو أوزو، بينهم بالطبع كنجي ميتزوغوتشي الذي سبق معظم هؤلاء وتؤكد مقارنات النقاد المعنيين بالسينما عمومًا والسينما اليابانية على الأخص، بأنه أفضل مخرج ياباني، بحسب ما ذكره موقع الشرق الأوسط.
ليس أن كوروساوا لم يستحق التقدير الذي ناله، لكن أحد أسباب نجاحه هو الاستيحاء من سينما وثقافة الغرب واشتغاله على الموضوع الياباني «خصوصًا في الثلاثين سنة الأخيرة من حياته» بمنوال استعراضي مختلف.
ميتزوغوتشي بدأ على النحو ذاته استعار من السينما الغربية «الرومانسية أساسًا» قسطًا كبيرًا من أعماله في عشرينات القرن الماضي، ما بين 1923 و1939 أنجز أكثر من 20 فيلمًا في تتابع مثير للاهتمام، أسلوبه تطوّر سريعًا وأصبح ذي حضور لافت في الثلاثينات، وما إن طواها حتى كان استحوذ على إعجاب نقدي وجماهيري في بلاده.
معظم أفلام تلك الفترة من حياته اختفى ومعه اختفت قدرة المؤرخ والباحث والناقد على الاطلاع الكامل على تطوّر سينما ميتزوغوتشي أسوة بآخرين سواه. أحد الأفلام المندثرة هو «شهوة معلّمة» «Passion of a Woman Teacher» الذي صوّره سنة 1926 شوهد برلين وباريس بعد أعوام قليلة.
في النصف الأول من الثلاثينات، عندما كانت السينما في أميركا وبعض أوروبا، سعيدة باستخدام الحوارات والمؤثرات الصوتية، حافظ هذا المخرج على ميزة الصمت، لم يكن وحيدًا بين أترابه حينها الذي فعل ذلك، لكنه، من المرجح، أن يكون الياباني الوحيد الذي وجد، في الصمت، سياقًا فنيًا مطردًا يناسب التقدّم الفني الذي سعى إليه، هذا بارز في فيلمين من تلك الفترة وهما «تعاقب التهديدات البيضاء» 1933 و«سقوط أوسن» 1934.
مع نهاية ذلك العقد زادت تحدياته التشكيلية، بات يطلب لنفسه أكثر مما قدّمته سابقًا هذا يتضّح من استيحائه رواية تولستوي «بعث» في «مضائق الحب والكره» 1937 ومن فيلمه اللاحق «خمس نساء حول أوتامارو» 1946 و«حياة أوهارو» 1952 ثم فيلمه التحفة «أوغستو» 1953.
عزز المخرج حضوره ومكانته في الخمسينات عندما أخذت مهرجانات السينما الأوروبية تتزوّد بالجديد الياباني، بعض ما قيل فيه منذ ذلك الحين يدعو للإعجاب أكثر مما يدعو للتعجب: هو رامبرانت عند البعض وباخ عند آخرين، هو بيكاسو في مراجعات وشكسبير في مراجعات أخرى.
أفلامه، رغم هذا الثناء المناسب، تبقى بسيطة القوام، الكاميرا على مسافة بعيدة من الشخصيات لا يريد للجمهور التقرّب من وجوه الممثلين ربما لأن حياة الناظر من بعيد لشخصيات لا يعرفها في الحياة لا تتم عن قرب، وهو حافظ على هذا البعد حتى في سنواته الأخيرة، مما حافظ عليه أيضًا عدم تحويل حكاياته إلى منصّة سياسية، هو يعرض ويترك لكل مشاهد الخروج بما اكتسب.