سوليوود «متابعات»
مرّت خمس سنوات على رحيل المخرج محمد خان الذي توفي في السادس والعشرين من هذا الشهر سنة 2016، هنا، في هذا الزاوية التي تنبش في تاريخ الأفلام التي تستحق إعادة الاكتشاف، قدّمنا له خلال الأعوام الثلاث الأخيرة ثلاثة أفلام هي «طائر على الطريق» 1981 و«الحريف» 1983 و«مشوار عمر» 1986.
وحسبما أفاد موقع الشرق الأوسط، هناك أفلام أخرى مهمّة وجيّدة لهذا المخرج الفريد على خريطة السينما العربية من بينها «أحلام هند وكاميليا» و«زوجة رجل مهم» و«سوبرماركت» وسواها، لكن «فارس المدينة» هو فيلم اختار العديد من النقاد اعتباره فيلم تشويق، بينما يحفل، في الواقع، بما شغل بال المخرج في تركيبة الحياة الاجتماعية في مصر.
تقنياً: «فارس المدينة» هو أفضل أعمال محمد خان. أسلوبياً: أحد أهم ما أنجزه وأكثر ما أنجزه وحدة عضوية، فنياً: على مستوى راقٍ، وكمضمون: لا يقل عن أيٍّ من أعمال المخرج السابقة التي تعرّض فيها لموضوع مجتمع يقوم على أفراد يواجهون الفساد وحب المال المستشري في الزمن الحاضر.
مثل «طائر على الطريق» و«الحريف»، يحمل هذا الفيلم اسم بطله فارس «محمود حميد»، اسم ذو دلالة واضحة كون الحياة، في كل هذه الأفلام، تحتاج إلى فرسان يخرجون عن سياقها لمواجهة التحديات التي تحيط بهم، فارس في هذا الفيلم كان قد جمع ثروة كبيرة دخل بها مشاريع متعددة، ثم انقلبت عليه الظروف نراه، مع بداية الفيلم، مدين بمبلغ كبير من المال للتاجر الغامض أدهم «عبد العزيز مخيون» الذي يطالبه بالسداد خلال أيام، فارس من النوع الفخور بمبادئه في عالم يتخلّـى عنها مقابل المصالح المباشرة، وهو يعد بسداد المبلغ «خمسة ملايين جنيه» علماً بأنه لكي يفعل ذلك عليه جمع ديونه وبيع ممتلكاته بأسعار رخيصة، وهو ما يبدأ القيام به، وكل ذلك في الوقت الذي صدر فيه قرار حكومي بالتحفظ على شركات توظيف الأموال تبعاً لتحقيق جارٍ، فارس كان قد أودع جزءاً من ثروته في إحدى تلك الشركات.
لكن الفيلم يحمل مشاغل فارس الأخرى التي تنضوي جيداً ضمن مسيرة الفيلم الزمنية وأحداثه، ففارس لديه ابن شاب من مطلقته دلال «سعاد نصر»، ولاحقاً ما سيكتشف أن ابنه مدمن مخدرات، ما يضيف إلى متاعبه، كذلك يأتي سيناريو فايز غالي على وضعٍ جانبي يشكّل أهمية كبيرة في توفير مشاغل بطل الفيلم، هو رجل محاط بثلاث نساء: مطلّقته، وممرضة «لوسي» يتعرّف عليها، وعشيقة سابقة «عايدة رياض» هذه ما زالت تكنّ له الود إلى أن تجد نفسها متورطة من حيث لا تريد في مشكلات فارس المادية، هذه المشكلات سببها أن تجارة أدهم الفعلية هي المخدرات وهو بحاجة للدين الذي طلبه من فارس لكي يكمل عمليته الأخيرة. يبعث بمن يطارده ويتجسس عليه ويعاين ممتلكاته ثم يختطف ابنه ويضرب عشيقته.
النهاية هي وليدة كل هذه المشاغل التي يحتويها السيناريو ويحققها الإخراج في وحدة عمل متناهية ومثالية، كل شيء هنا ينتقل سريعاً في تشويق فعلي لا ضعف في سياقه، وشخصية رئيسية «الدور البطولي الأول لمحمود حميدة الذي يبرهن على جدارته منذ اللقطات الأولى» واضحة وتقبض بسهولة على اهتمام المشاهد وتفوز بإعجابه، ومرّة أخرى شوارع القاهرة الفعلية هي مسرح الأحداث، وهناك مطاردة مُلهمة في شوارعها وأزقّتها قليل ما شاهدنا مثلها في أي فيلم، وربما لم نشاهد مثلها في الإتقان والإثارة لا قبل هذا الفيلم ولا بعده.