سوليوود «متابعات»
هذا الفيلم الذي فاز بالجائزة الأولى في مظاهرة أسبوع النقاد في دورة مهرجان «كان» المنتهية قبل أيام، فعل شائك صُنعاً واستقبالاً، فيه مشاهد صادمة موزّعة في جوانبه، مع سرد ممعن في الدكانة يوفر ثقلاً على الأحداث ومتابعيها وينجز، في الوقت ذاته، معالجة لافتة في قصّة غير مطروقة، بحسب ما أشار موقع الشرق الأوسط.
المشهد الأول من تلك المشاهد الصادمة: رجل يشعل النار في جسده، نرى النار وهي تلتهمه، المشهد يبدأ بشاشة سوداء وصوت دلق الكازولين ثم نرى الرجل عن بعد وهو يحترق، ثم قطع عنه إلى المشهد التالي مع بقاء الصدمة عالقة لفترة.
ننتقل إلى رجل يُدير شؤون عائلته «زوجة وثلاثة أطفال» التي تعيش في بيت تتآكل جدرانه وتتسخ، هو ليس بالرجل السيء «كما صوّرته بعض الكتابات»، هو زوج تقليدي يمسك بكل مرافق الحياة بما فيها ما ستشتريه زوجته من طعام، يفتح صندوقاً مقفلاً ويعطيها قدراً محدوداً من المال لتدبير شؤون البيت، هي «دميانا نصّار» تنصاع، وغالباً ما تنصاع من دون حوار وستبقى قليلة الكلام طوال الفيلم بعد اختفاء زوجها فجأة.
حكاية الاختفاء مثيرة بذاتها: في حفلة عيد ميلاد أحد أطفاله تتم الاستعانة بساحر للترفيه، يفتح الساحر صندوقاً ويطلب منه الدخول إليه ويغلقه عليه، حين يفتحه ثانية يستخرج الزوج كدجاجة وعندما يحاول إعادة الدجاجة إلى رجل يخفق، الآن الزوجة لديها زوج هو دجاجة… أو هكذا يوحي الفيلم، لأنه في وقت لاحق «قُبيل نهاية الفيلم» سيتم اكتشاف الزوج رجلاً محترقاً صامتاً لا يعي ما حوله.
للمخرج الزهيري «فيلمه الأول» دراية بارعة في كيفية معالجة حكاية كهذه لناحية السرد المتتابع من دون هفوات فنية، لقطاته تبدأ وتنتهي بتسجيل دائم لموقف، التوليف يُلغي أي لقطات لا تُضيف، لكن هناك، على جانب آخر، عدّة مشاكل كانت تحتاج للعناية ذاتها من بينها غياب السبب لأنه إذا ما حوّله الساحر إلى رجل بلا ذاكرة أو هويّة ما دفعه لمحاولة الانتحار فما علاقة الدجاجة بالموضوع؟ ألم يكن حيّاً كإنسان في الوقت الذي تحوّل فيه إلى دجاجة؟ ثم ما هي القراءات الاجتماعية المناطة بهذه الفكرة؟.
هناك قراءات اجتماعية حول معاناة الزوجة، هي تعتقد أن الدجاجة التي باتت تعيش فوق سرير الزوجية لكن عليها أن تعمل وأن تبعد رجلاً يتظاهر بمساعدتها بينما ينتظر منها سداد ذلك بجسدها، تمر بضائقة تلو أخرى وهو صامتة، في هذا النطاق كل شيء واضح باستثناء أن هناك فرقاً بين أن تبدو مستكينة وبين أن تمثل دور المرأة المستكينة وهي تجسّد الاختيار الأول، ما يعني أن تلتزم بإداء واحد لا يتغير خالٍ من التعابير.
هذا أسلوب أداء أجنبي يتلاءم مع ثقافة والسلوكيّات الغربية، في عالمنا فإن السلوكيّات تختلف رغم أنه يمكن القبول بها هنا لضرورة وحدة المعالجة والأسلوب الشاملين، على ذلك، تتمنى لو أن بعض الأداء قرّبها أكثر إلى منهج عام يُتيح دفقاً موازياً من المشاعر.
هناك مشهد يحاول فيه الساحر «لا يظهر بعد ذلك» إعادة الدجاجة إلى إنسان، يقرأ عليها بوجود رجال أشدّاء من المدعوّين، يصرخ بهم ألا يتدخّلوا، ولا أحد يتدخّل ما يُخلق فجوة أخرى بين الطريقة التي سيتعامل بها الرجال مع الساحر وبين ما نراه، في أسوأ الاحتمالات سينقضّون عليه ضرباً عوض الإذعان له وتركه ينصرف تاركاً الدجاجة بين أيديهم.
هناك أيضاً مشاهد تبقى غائبة في تفاصيلها، المشهد الذي تركض فيه الزوجة من كلب بعدما سرقت من مطبخ البيت الذي تعمل فيه بعض اللحم، تبقى الكاميرا في مكانها ثم نسمع صوت من ألقى بنفسه في الماء. ثم نسمع الصوت ذاته مرّة ثانية، اللقطة التالية للزوجة ولخادمة سوداء البشرة «هناك أفريقيون آخرون سلبيو الأدوار» وللمشرف على شؤون البيت وهو يؤنب الزوجة ويطردها. لم ألاحظ أن ثيابها مبللة. من سقط في الماء إذن؟.
هذه ليست مجرد تفاصيل هامشية بل نواحٍ تستحق الاهتمام كما حال تلك الدجاجة ودورها في الفيلم كون الزوج والدجاجة يلتقيان في المشاهد الأخيرة، إذا كانت الروح الفعلية للزوج انتقلت إلى الدجاجة «التي ما زالت تبيض وتأكل وتتحرّك كأي دجاجة أخرى» كيف إذن قرر إشعال النار في جسده؟.
على كل ذلك، ليس «ريش» فيلماً يمكن اعتباره رديئاً على أي صعيد، فيلم مدروس جيّداً تبعاً لرغبة المخرج في كيفية سرده وكيفية معالجته كبعد اجتماعي ما وكحكاية غرائبية، من شروط عمله إبقاء معظم المشاهد بعيدة عن وجوه أصحابها وإذا اقتربت ففي الغالب هي غير واضحة وبالتأكيد – وعن قصد – غير منفعلة، هذه قيمة جيّدة لفيلم خارج المعهود كذلك لعمل يعكس بيئة مكانية ملوّثة ومبانٍ مهجورة ومتسخة توازي بيئة نفسية اجتماعية قاهرة ضحيّتها امرأة كل ما ترغب فيه هو استمرار حياتها وحياة أولادها بزوج أو من دونه «عرض خاص».