سوليوود «متابعات»
يسعى كتاب «الاقتباس: من الأدب إلى السينما»، الصادر أخيراً عن دار «المرايا» للنشر بالقاهرة، إلى تتبع العلاقات المتداخلة بين الأدب والسينما، لا سيما المصرية، من منظور تاريخي فني، راصداً البدايات المشتركة بينهما التي يشير الكتاب إلى أنها تدور بين نهايات القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.
وبحسب الشرق الأوسط يسلط الكتاب، الواقع في 302 صفحة، الضوء على أبرز التقاطعات التاريخية لهذه العلاقة في مصر على مدار قرن من الزمن (من بدايات القرن العشرين حتى اليوم)، عبر 12 بحثاً قام بتنسيقها وتحريرها الدكتورة سلمى مبارك، والناقد الفني الأكاديمي الدكتور وليد الخشاب، وهي نتاج لمجموعة من الأبحاث باللغتين العربية والفرنسية قُدمت للمؤتمر الدولي الأول لشبكة آمون للباحثين في الأدب والسينما الذي استضافته جامعة القاهرة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019.
ويشير محررا الكتاب في مقدمته لمصادفة لغوية غنية بالدلالات تتعلق بمصطلح «الاقتباس»، فمعناه حرفياً هو «أخذ النار أو النور»، فقد كان العرب يقولون: اقتبس المرء ناراً (أي أخذها) أو اقتبس القمر نوره من الشمس، ويُعقبان: «نحن إذاً أمام مصادفة جعلت المعنى الحرفي للاقتباس هو نفسه المعنى المجازي لعملية نقل التنوير الأوروبي».
– علاقة تبادلية
يربط الكتاب بين مولد فن الرواية بمعناه الحديث، وتحديداً مع نشر رواية «زينب» لمحمد حسين هيكل عام 1913، وعرض أول فيلم مصري روائي قصير «برسوم يبحث عن وظيفة» لمحمد بيومي عام 1923. وهو ارتباط زمني فرض تداخلاً بين اللونين الفنيين. وتشير مقدمة الكتاب إلى ملامح المنفعة التبادلية بينهما، لافتة إلى أنه «إذا كان تفوق السينما المصرية في العالم العربي وما وراءه يعود إلى وجود صناعة قوية وُلدت في أوائل الثلاثينيات، فمن المؤكد أن اقتباس الأدب قد لعب دوراً لا يقل أهمية في توسيع قاعدة هذه الصناعة من إنتاج ما يقرب من 360 فيلماً مستمداً من الأدب العربي والغربي ما بين عامي 1930 و2019».
لذلك، فإن الكتاب يسعى لتأسيس رؤية تتجاوز فكرة التجاور بين الفنين إلى رؤية تتسع لرصد حركة تفاعلهما «منذ الفوران الأول الذي صاحب بدايات تيار الحداثة في مصر»، فالاقتباس هنا نموذج من نماذج نقل الحداثة التي اعتمدها العالم العربي. ويعقد الكاتبان مقاربة له بصفته وسيطاً ثقافياً وبين ذلك النهج الذي سعى به محمد علي باشا -على سبيل المثال- لاقتباس تنظيم الجيش النابليوني الفرنسي، بصفته أحد أبرز أمثلة التفاعل بين مصر وأوروبا على مدار التاريخ.
– سنوات الاتصال ـ الانفصال
يتخذ الكتاب من ثنائية «الاتصال – الانفصال» ركيزة لرصد طبيعة العلاقة بين هذين الفنين على مدار تلك الحقبة الزمنية الطويلة، وتأثرهما بمتغيرات السياق السياسي والاجتماعي، لافتاً إلى أن الطابع العالمي الذي يحمله موضوع مثل «الحب» عزز نقل الروايات الرومانسية الأوروبية إلى السياق المصري من خلال الاقتباس السينمائي، ومعها انتقال قيم الحداثة الغربية، مع تعديلها بشكل يتسق مع السياق المحلي المصري.
وتتشابه هذه العملية إلى حد كبير في طبيعتها وتتوازى مع حركة استيراد المنتجات الصناعية من الغرب، ليصبح ارتباط الاقتباس السينمائي بالأدب الغربي، تحديداً منذ عام 1930، بمثابة الضامن للقيم الجمالية، والكفيل لحداثة العمل ومصداقيته.
ويشير الكتاب إلى أن هذا الاقتباس من الرواية الغربية تراجع منذ عام 1952 لصالح الاقتباس السينمائي من الرواية المصرية، إذ أصبح الأدب «الوطني» يحل محل الأدب «الأجنبي». وحسب وجهة نظر المؤلفين، فقد «ازدادت القيمة الفنية والثقافية لتلك الأعمال المقتبسة نظراً لواقعيتها. ومن ثم، أصبحت الرواية المصرية هي المنافس الأول للرواية الغربية في سوق صناعة السينما المأخوذة عن الأدب». ويمكن الإشارة هنا إلى الأشرطة السينمائية الطويلة لأعمال مأخوذة عن أعمال روائيين مثل نجيب محفوظ وعبد الرحمن الشرقاوي ويوسف إدريس ويحي حقي. وحسب الكتاب، فإنه «ما بين عامي 1963 و1973، أنتجت السينما من خلال قطاعيها العام والخاص مائة فيلم مقتبس، بينما بلغ هذا العدد منذ فيلم (زينب – 1930) الذي يعد الاقتباس الأول في السينما المصرية حتى عام 1962 حوالي 52 فيلماً فقط».
ولكن شهدت حركة الاقتباس «نكوصاً مع سينما السبعينيات والثمانينيات، وما واكبها من صعود أجيال من الأدباء والسينمائيين المُنفتحين على التجريب، والتمرد على تقاليد الكتابة. وفي هذه الأجواء، بزغت الكتابة الجديدة، بالتوازي مع ظهور سينما المؤلف التي أولت ظهرها للأدب، وسعت لتدعيم مفهوم السينما بصفتها فناً مستقلاً».
وشهد القرن الحادي والعشرون تطوراً جديداً في طبيعة العلاقة بين الفنين، ارتبط بتشكل مشهد أدبي جديد، مع بروز ظاهرة «الكتب الأكثر مبيعاً». فبدا أن حركة الاقتباس السينمائي غدت تسعى لاستثمار هذا الرواج الأدبي لخلق ظاهرة ما زالت في طور التشكل «تظهر ما يشبه التنافس بين الأدب والسينما لاجتذاب متلقِ جديد، في تحول يؤسس لرؤى متكافئة بين الفنين تتجاوز تاريخاً طويلاً من التراتبية التي باعدت بينهما».
– من رحِم الأدب
ومن الدراسات التي ضمها الكتاب، تناولت الدكتورة سلمى مبارك صورة الريف السينمائية التي كان ظهورها الأول قد خرج من رحم الأدب -على حد تعبيرها- حين اقتبس المخرج محمد كريم رواية «زينب» لمحمد حسين هيكل، وحولها إلى فيلم صامت عام 1930.ويدور بحث الناقدة الأدبية دينا قابيل حول المعالجة المصرية للأدب العالمي، وتناولت نموذجاً أحد أبرز كلاسيكيات السينما المصرية، وهو فيلم «نهر الحب» المُقتبس من رائعة تولستوي الأشهر «آنا كارنينا»، وهي الرواية التي صدرت في عام 1877، وتُعد من أكثر الأعمال الأدبية التي تم تحويلها إلى السينما لعدد من المرات يتجاوز العشرين، حسب البحث.
ويتأمل بحث الناقد السينمائي عصام زكريا كذلك اقتباسات رائعة ويليام شكسبير «الملك لير» في السينما المصرية والعالمية، بينما تطرح دراسة أستاذة النقد الأدبي رندة صبري تجليات جديدة لـ«الكونت دي مونت كريستو» عند المخرج المصري الراحل هنري بركات، علاوة على بحثين تحت عنوان «نجيب محفوظ عابر الوسائط»: الأولى للباحثة دينا جلال التي تُبحر دراستها في الاقتباس الدرامي لرواية «أفراح القبة»، فيما تناولت الناقدة السينمائية أماني صالح إبراهيم الاقتباس السينمائي لرواية «أهل القمة» التي صدرت مطبوعة في عام 1979، وصدر الفيلم المأخوذ عنها في 1981، وأخرجه علي بدرخان «العاشق لأدب محفوظ»، كما يشير البحث.